وهلَّك لمن قال : لاَ آله إلاَّ الله، وسبَّح لمن قال : سُبْحَان الله، وذلك أن هذه أمورٌ تَتَكَرَّر من الإنسان في الكلام، [فدعت] الحاجة إلى استعمال لفظة واحدة مفيدة للكلام وقالوا : هلل بخلاف قَوْلِهِمْ : زَيْدٌ فِي السُّوقِ، فإنَّ من قال : زيد في السوق وأراد أن يخبر عنه بذلك لا يجد لفظاً واحداً مفيداً لذلك لعدم تكرره.
ومناسبة هذا الوجه : هو أن تكذيبهم وإنكارهم يقتضي مقابلتهم باللَّعْنِ، فقيل له : اصْبِرْ عَلَيْهِمْ، واجعل بدل الدعاء عليهم التسبيح لله، والحمد لله، ﴿وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم : ٤٨] أو كنوحٍ - عليهما الصلاة والسلام - حيث قال :﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ [نوح : ٢٦] فصل وقد استعمل التسبيح مع الباء ومع اللام وبدونهما.
فإن قلنا : المراد بالتسبيح الصلاة فيحتمل أن يكون المراد بحمد ربك : الأمر بقراءة الفاتحة، كقولك : صَلَّى فلانٌ بسورة كذا.
وهذا بعيدٌ.
وإن قلنا المراد : قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، فالباء للمصاحبة.
وكذلك إن قلنا : معناه التَّنْزِيهُ أي نَزِّهْهُ واحمَدْهُ وَفَّقَكَ لتسبيحه فيكون المفعول محذوفاً، للعلم به، أي نزه الله بحمد ربك، أي ملتبساً أو مقترناً بحمد ربك.
وأما اللام فإمّا أن يكون من باب شَكَرَ ونَصَحَ، وإما أن يكون معناها خالصاً لله.
وأما تعدّيه بنفسه فهو الأصل.
وأعاد الأمر للتسبيح، إما تأكيداً وإما أن يكون الأول بمعنى الصلاة، والثاني بمعنى التَّسْبِيح والذكر.
ودخلت الفاء ؛ لأن المعنى : وأمَّا من الليل فسبحه.
ولما ذكر أوقات الصلوات ذكر أدْبَار السُّجود ؛ ليَعُمَّ الأوقات فيكون كقوله :﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾ [الشرح : ٧] و " من " إما لابتداء الغاية، أو مِنْ أوَّل الليل، وإمَّا للتبعيضِ.
٤٩
فصل قال المفسرون : قبل طلوع الشمس يعني صلاة الصبح، وقبل الغروب يعني العصر، وروي عن ابن عباس : قبل الغروب الظهر والعصر ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ يعني صلاة المغرب، والعِشَاءِ.
وقال مجاهد : ومِنَ الليل يَعْنِي صلاة الليل، أيّ وقت صلى.
قوله :" وأدبار السجود " قرأ نافع وابن كثير، وحمزة : إدبار بكسر الهمزة، على أنه مصدر قَامَ مَقَام ظَرْف الزمَان كقولهم : آتِيكَ خُفُوقَ النّجم وخِلاَفَة الحجّاج.
ومعنى وقت إدبار الصلاة أي انتصابها وتمامها.
والباقون بالفتح جمع (دُبُر) وهو آخر الصلاة وعقبها.
ومنه قول أوس : ٤٥١٦ - عَلَى دُبُر الشَّهْرِ الْحَرَام فَأَرْضُنَا
وَمَا حَوْلَهَا جَدْبٌ سِنُونَ تَلَمَّعُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٧
ولم يختلفوا في :﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور : ٤٩].
وقوله :" وأدبار " معطوف إمّا على " قَبْلَ الْغُرُوبِ " وإمّا على " وَمِنَ اللَّيْلِ ".
فصل قال عمرُ بن الخطاب، وعليُّ بن أبي طالب، والحسنُ، والشعبيُّ، والنخعيُّ والأوزاعي : أدبار السجود الركعتان قبل صلاة الفجر، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس.
وروي عنه مرفوعاً.
وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد : أدبار السجود هو التسبيح باللِّسان في أدبار الصلوات المكتوبات، قال - عليه الصلاة والسلام - :" مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُر كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وثلاثين وَكَبَّرَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ وَحَمَّدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ " فَذَلك تِسْعَةٌ وتسعُونَ ثم قال :" تَمَام المِائَةِ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ له الْمُلْكُ وَلهُ الْحَمْدُ
٥٠