وترك السؤال دلالة على أن الغرض ليس الجواب، وإنما يسألون استهزاءً، والمعنى يسألون أيان يوم الدين يقولون : يا محمد متى يكون يوم الجزاء ؟ يعني يوم القيامة تكذيباً واستهزاء قال الله - عز وجل - :﴿يَوْمَ هُمْ﴾ أي يكون هذا الجزاء في يومِ هُمْ على النار يُفْتَنُونَ أي يعذبون ويحرقون بها، كما يُفْتَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ.
وعلى هذا فالأولى أن يكون معنى يفتنون يُعْرَضُون عرض المجرِّب للذّهب على النار، لأن كلمة " على " تناسب ذلك ولو كان المراد يحرقون لقيل : بالنَّار، أي فِي النار.
قوله :" يَوْمَ هُمْ " يجوز أن يكون منصوباً بمضمر أي الجزاءُ كائنٌ يَوْمَ هُمْ ويجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم الدين "، والفتحة للبناء على رأي من يُجيز بناء الظرف، وإن أُضِيفَ إلى جملة اسمية وعلى هذا فيكون حكاية لمعنى كلامهم، قالوه على سَبيل الاستهزاء، ولو جاء على حكاية لفظهم المتقدم لقيل : يوم نَحْنُ عَلَى النَّار نُفْتَنُ.
و " يوم " منصوب بالدين، وقيل : بمضمر، أي يُجَازَوْنَ.
وقيل : هو مفعول بأعني مقدَّراً وعُدّي يُفْتَنُونَ بعَلَى لأنه بمعنى يُخْتَبَرُون.
وقيل : على بمعنى في.
وقيل : على بمعنى الباء.
وقيل :" يَوْمَ هُمْ " خبر مبتدأ مضمر، أي هُوَ يَوْمَ هُمْ والفتح لما تقدم.
ويؤيد ذلك قراءة ابن أبي عبلة والزّعفرانيّ يَوْمُ هُمْ بالرفع، وكذلك يؤيد القول بالبدل.
وتقدم الكلام في مثل هذا في غَافِرٍ.
فصل قوله :﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ قال ابن الخطيب : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون جواباً عن قولهم أيَّانَ يَقَعُ فكما أنهم لم يسألوا سؤال مستفهم طالب لعِلم، كذلك لم يجبهم جواب معلم مبين بل قال : يوم هم على النار يفتنون فجهلهم بالثاني أقوى من جهلم بالأول، ولا يجوز أن يكون الجواب بالأخفى، فلو قال قائل : مَتَى يَقْدمُ زَيْدٌ ؟ فلو أجيب بقوله : يَوْم يقدم رفِيقُهُ ولا يعلم يوم قُدُوم الرفيق لم يصح هذا الجواب إلا إذا كان الكلام في صورة ولا يكون جواباً كقول القَائل لمن
٦٥
يعد عِدَاتاً ويخلفها : إلى متى هذا الإخلاف ؟ فيغضب ويقول : إلى أَشْأَمِ يَوْمٍ عليك، فالكلامان في صورة سؤال وجواب، ولا يريد بالأول السؤال، ولا الثاني يريد به الجواب، فكذلك ههنا قال :﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ مقابلة لاستهزائهم بالإيعَادِ لا على وجه الإِتيان بالبَيَان.
الثاني : أن يكون " ذلك " ابتداء كلام تمامه (في قوله :" ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ " ).
فإن قيل : هذا يفضي إلى الإضمار!.
فالجواب : أن الإضمار لا بد منه ؛ لأن قوله : ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ غيرُ متصل بما قبله إلا بإِضمار يقال.
قوله :" ذُوقُوا " يقال لهم ذُوقُوا و ﴿هَـذَا الَّذِي كُنتُمْ﴾ مبتدأ وخبر " هذا " هو الظاهر.
وجوَّز الزمخشري أن يكون " هذا " بدلاً من " فِتْنَتَكُمْ " ؛ لأنها بمعنى العذاب، ومعنى فتنتكم عذابكم ﴿هَـذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ في الدنيا تكذيباً به، وهو قولهم :﴿رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا﴾ [ص : ١٦] وقولهم :﴿فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ [هود : ٣٢] ونظائره، وقوله :﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ فإنه نوع استعجالٍ بالقول.
ويحتمل أن يكون المراد الاستعجال بالفعل وهو إصرارهم على العناد، وإظهار الفساد، فإنه يعجل العقوبة.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٦٤
قوله تعالى :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ لما بين حال المجرمين بين بعده حال المتقين، والمتقي له مقامات، أدناها أن يتقي الشرك، وأدناها أن يتقي ما سِوَى الله، وأدنى دَرَجَات المُتقِي الجنة فما من أحد اجتنب الكفر إلا ويدخل الجنة.
قوله :" آخِذِينَ " حال من الضمير في قوله :" جَنَّاتٍ " و " مَا آتَاهُمْ " يعني مما في الجنة فيكون حالاً حقيقية، وقيل : مَا آتاهُمُ من أوامره ونواهيه فيكون في الدنيا فتكون حالاً محكيةً، لاختلاف الزمانين.
٦٦