وأما ما أنشده من قوله :" وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا " فليس من هذا الباب، لأن هذا " ابنٌ " زيدت عليه الميم وإذا زدتَ عليه الميم جعلت النون تابعةً للميم في الحركات على الفصيح، فتقول : هذا ابْنُمٌ، ورأيت ابْنَماً ومررت بابْنِمٍ، فتجري حركات الإعراب على الميم ويتبعها النون.
وابنما في البيت منصوب على التمييز فالفتح لأجل النصب لا البناء، وليس هذه " ما " الزائدة، بل الميم وحدها زائدة، والألف بدل من التنوين.
الثالث : أنه منصوب على الظَّرْف، وهو قول الكوفيين.
ويجيزون : زَيْدٌ مِثْلَكَ بالفتح، ونقله أبو البقاء عن أبي الحسن ولكن بعبارة مُشْكِلَةٍ فقال : ويقرأ بالفتح، وفيه وجهان : أحدهما : هو معرب، ثم في نصبه أوجه، ثم قال : أو على أنه مرفوع الموضع،
٧٨
ولكنه فتح كما فتح الظرف في قوله :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤] على قول الأخفش، ثم قال : والوجه الثاني : هو مبنيّ.
وقال أبو عُبَيْد : بعض العرب يجعل " مِثْلَ " نصباً أبداً، فيقولون : هَذَا رَجُلٌ مِثْلَكَ.
الرابع : أنه منصوب على إسقاط الجارِّ وهو كافُ التشبيه.
وقال الفراء : العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم يعني المبتدأ فيقولون : مِثْلَ مَنْ عَبْد الله ؟ وعَبْد الله مثْلَكَ وأنْتَ مِثْلَه لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتُنْصَب إذا ألقيت الكاف.
قال شهاب الدين : وفي هذا نظر، أيّ حاجة إلى تقدير دخول الكاف و " مِثْلُ " تفيد فائدتها ؟ وكأنه لما رأى أن الكاف قد دخلت عليها في قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى : ١١] قال ذلك.
الخامس : أنه نعت لمصدر محذوف، أي لحَقّ حَقًّا مِثْلَ نُطْقِكُمْ.
السادس : أنه حال من الضمير في " لَحَقٌّ " ؛ لأنه قد كثر الوصف بهذا المصدر حتى جرى مَجْرى الأوصاف المشتقة، والعامل فيها " حَقٌّ ".
السابع : أنه حال من نفس " حَقّ " وإن كان نكرة.
وقد نصَّ سيبويه في مواضع من كتابه على جوازه، وتابعه أبو عمرو على ذلك.
و " ما " هذه في مثل هذا التركيب نحو قولهم :" هَذَا حَقٌّ "، كما أنك ههنا لا تجوّز حذفها، فلا يقال : هذا حق كأنك ههنا.
نص على ذلك الخليلُ - رحمه الله -.
٧٩
فإذا جعلت " مِثْلَ " معربة كانت " ما " مزيدة و " أَنَّكُمْ " في محل خفض بالإضافة كما تقدم.
وإذا جعلتها مبنية إما للتركيب، وإما لإضافتها إلى غير متمكن جاز في " ما " هذه وجهان : الزيادة وأن تكون نكرة موصوفة، (كذا) قال أبو البَقَاءِ.
وفيه نظر، لعدم الوصف هنا، فإن قال : هو محذوف فالأصل عَدمهُ، وأيضاً فنصوا على أن هذه الصفة لا تحذف، لإبهام مَوْصُوفِها.
وأما " أَنَّكُمْ تَنْطَقُونَ " فيجوز أن يكون مجروراً بالإضافة إن كانت ( " ما " ) مزيدة، وإن كانت نكرة كان في موضع نصب بإضمار أَعْنِي، أو رفع بإضمار مبتدأ.
فصل المعنى :﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ أي ما ذكرت من أمر الرزق لَحق كَمِثْلِ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ فتقولون : لا إله إلاَّ الله.
وقيل : شَبَّه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نُطْق الآدمي كقولك : إنَّه لَحَقٌّ كما أنت ههنا وإنه لحق كما أنك تتكلم والمعنى أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة.
قال بعض الحكماء : كما أنَّ كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نَفْسه الذي قُسِمَ له، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره.
وقيل : معناه إن القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٧٤
٨٠