مُدَوَّرَاتٍ كاللآلئِ الكِبَار ثم في النزول إذا اتفق أن تضربه النيران التي في الجو جعلته حجارة كالآجُرّ المطبوخ فينزل فيصيب من قدر الله هلاكه وقد ينزل كثيراً في المواضع التي لا عِمارة بها، فلا يُرى ولا يُدْرَى به فلهذا قال :" مِنْ طينٍ " لأ(نَّ) ما لا يكون من طين كالحجر الذي في الصواعق لا يكون كثيراً بحيث يمطر، وهذا تعسُّف، لأن ذلك الإعصار لما وقع فإن وقع بحادث آخر لزم التسلسل، ولا بدّ من الانتهاء إلى محدِث ليس بحادث فذلك المحدث لا بدّ وأن يكون فاعلاً مختاراً، والمختار له أن يفعل وله أن يَخْلُق الحِجَارة من طين على وجه آخر من غير نارٍ ولا غبارٍ، لكن العَقل لا طريق له إلى الجزم بطريق إحداثه وما لا يصل العقل إليه فلا يؤخذ إلا بالنقل والنص ومن المعلوم أن نُزُول حجارة من الطين من السماء أغرب وأعجب من غيرها.
قوله :" مُسَوَّمَةً " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب على النَّعت لِحَجَارةٍ.
الثاني : أنه حال من الضمير المستكنِّ في الجارِّ قبله.
الثالث : أنه حال من " حجارة "، وحسَّنَ ذلك كونُ النكرة وُصِفَتْ بالجارِّ بعدها.
ومعنى مسومة قيل : على كل حجر منها اسم صاحبه.
وقيل : خلقت وأعدت لتعذيبهم.
وقيل : مُرْسَلَة للمجرمين ؛ لأن الإرسال يقال في التسويم، يقال أرسلها لِتَرْعَى، كما قيل في الخيل المُسَوَّمَةِ أي مستغنى عنها.
قوله :" عِنْد رَبِّكَ " ظرف " لمُسومَةٍ " أي معلَّمة عنده " والمُسْرِفُ " المتمادي ولو في الصغائر فهم مجرمُون مُسْرفُونَ.
وهنا لطيفة وهي أن الحجارة سُومِّتْ للمسرف المُصِرّ الذي لا يترك الذنب في المستقبل وذلك إنما يعلمه الله تعالى، فلذلك قال :﴿عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ ولما كان الإجرام ظاهراً قالوا :﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ واللام في " المسرفين " لتعريف العهد، أي لِهؤلاء المسرفين ؛ إذ ليس لكل مسرف حجارة مسوَّمة.
وإسرافهم بأنهم أتوا بما لم يَسْبِقْهم به أحدٌ من العَالَمِين.
قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذه الآية تدل على بيان القدرة
٨٩
والاختيار، لأنه تعالى لما ميز المجرمَ عن المحسن يدل على الاختيار وأيضاً فيها بيان أن بِبَركَة المحسن ينجو المسيء، فإن القرية ما دام فيها المؤمنون لم تَهْلَكْ.
والضمير في " فِيهَا " عائد على القرية وهي معلومة وإن لم تكن مذكورة.
والمعنى : فأَخَرجْنا من كان في قُرَى قومِ لوط من المؤمنين، وذلك قوله :﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ﴾ [الحجر : ٦٥].
وقوله :﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ يعني لوطاً وابنتيه وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعاً، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم، وفيه إشارة إلى أن الكفر إذا غلب، والفِسْقَ إذا فَشَا لا ينفع معه عبادة المؤمنين، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة، وفيهم شِرْذِمَةٌ يسيرة يسرقون ويزنون، ومثاله أن العالم كالبَدَن، ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والسموم الواردة عليه الضارة ثم إن البدن إن خلا عن المنافع وفيه الضارّ هلك وإن خلا عن الضار وفيه النافع طاب ونما، وإن وُجِدَا فيه فالحكم للغالب.
وإذا علم أن إطلاق العَامّ على الخَاصِّ لا مانع منه، لأن المسلم أعمّ من المؤمن فإذا سمي المؤمن مسلماً، لا يدل على اتحاد مفهوميهما فكأنه تعالى قال : أخرجنا المؤمنين، فما وجدنا الأعمَّ منهم إلا بَيْتاً من المسلمين، ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين.
قوله :﴿وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً﴾ يجوز أن يعود الضمير على القَرْية، أي تركنا في القرية علامةً أي عِبرة كالحجارة أو الماء المنتن ويجوز أن يعود على الإهلاكة المفهومة من السِّياق.
وقوله :" لِلَّذِينَ يَخَافُونَ " أي ما ينتفع بها إلا الخائف، كقوله تعالى في سورة العنكبوت :﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت : ٣٥] ومعنى الآية : أن " الآية " تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.
٩٠
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٨٠


الصفحة التالية
Icon