إذ ليس فيها ذكر يعود على صاحب الحال، وإن كانت حالاً من مفعول " أَخَذْنَاهُ " فالواو ليست واجبة ؛ إِذ في الجملة ذكرٌ يعودُ عليه.
وقد يقال : إنَّ الضمير في " نَبَذْنَاهُمْ " يعود على " فِرْعَوْنَ " وعلى " جُنُودِه " فصار في الحال ذكر يعود على بعض ما شَمِلَه الضمير الأول.
وفيه نظر، إذ يصير نظير قولك : جَاءَ السُّلْطَانُ وَجُنُودُهُ فأكرمتهم راكباً فَرَسَهُ، فتجعل " راكباً " حَالاً من بعض ما اشتمل عليه ضمير " أكرمتهم ".
فصل ومعنى " مليم " أي أَتَى بما يُلاَم عليه من دعوى الربوبيّة وتكذيب الرسول.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٩١
قوله تعالى :﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا﴾ الكلام عليه قد تقدم عَلَى نظيره.
واعلم أن المراد بهذه الحكايات تسلية قلب النبي - ﷺ - وتذكيره بحال الأنبياء.
فإن قيل : لِمَ لَم يذكر في " عَادٍ " و " ثمُودَ " أنبياءهم كما ذكر إبراهيم وموسى ولوطاً - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسلام - ؟ !.
فالجواب : أنه ذكر ست حكايات، حكاية إبراهيم وبشارته وحكاية قوم لوط ونجاة مَنْ كان فيها من المؤمنين وحكاية موسى، ففي هذه الحكايات الثلاثة ذكر الرسل والمؤمنين لأن الناجين منهم كانوا كثيرين، فأما في حق إبراهيم وموسى فظاهر وأما في حق لوطٍ فلأن الناجين وإن كَانُوا أهْلَ بَيْتٍ واحد لكن المهلكين أيضاً كانوا أهل بُقْعَةٍ واحدة.
وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إِلى الناجين أضعافَ المهلكين من قوم لوط عليهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ؛ فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بإهلاك العدو والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات :﴿كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات : ٥٢] إلى أن قال :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ﴾ [الذاريات : ٥٤] وقال في سورة هود بعد الحكايات :﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾ [هود : ١٠٠] إلى أن قال :﴿وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود : ١٠٢].
٩٤
قوله :﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ وهي التي لا خير فيها ولا بركة، ولا تلقح شَجَراً، ولا تَحْمل مطراً لأنها تكسر وتقلع فكيف تلقح ؟ !.
واعلم أن الفَعِيلَ لا يلحق به تاء التأنيث (إِن كان بمعنى مفعول وكذلك) إِذا كان بمعنى فَاعِل في بعض الصُّور.
وقد تقدم ذكر سببه، وهو أن فَعِيلاً لما جاء للمفعول والفاعل جميعاً ولم يتميز المفعول عن الفاعل فأولى أن لا يتميز المؤنث عن المذكر فيه لأنه (لو تميز) لَتَميَّزَ الفاعل عن المفعول قبل تمييز المؤنث والمذكر، لأن الفاعلَ جزءٌ من الكلام محتاجٌ إليه، والمفعول فيه فائدة أكيدةٌ وإن لم يكن جزءاً من الكلام محتاجاً إليه، فأول ما يحصل في الفعل الفاعل ثم التذكير والتأنيث يصير كالصفة للفاعل (والمفعول) تقول : فَاعِلٌ وفَاعِلَةٌ، ومَفْعُولٌ ومفَعُولَةٌ، ويدل على ذلك أيضاً أن التمييز بين الفاعل والمفعول جعل بحرف ممازج للكلمة فقيل : فَاعل بألف فاصلة بين الفاء والعين التي هي من أصل الكلمة، وقيل : مفعُول بواو فاصلة بين العين واللام والتأنيث كان بحرف في آخر الكلمة، فالمميز فيهما غيَّر نظم الكلمة لشدّة الحاجةِ (وفي التأنيث) لم يؤثر، ولأن التمييز في الفاعل والمفعول كان بأمرين يختص كُلّ واحد منهما بأحدهما فالألف بعد الفاء يختص بالفاعل، والميم والواو يختص بالمفعول والتمييز في التذكير والتأنيث بحرف (واحد عند) وجوده يميز المؤنث وعدمه يبقي اللفظ على أصل التذكير فإذا لم يكن " فَعِيلٌ " يمتاز فيه الفاعل عن المفعول إلا بأمر منفصل كذلك (المؤنث والمذكر لا يمتاز أحدهما عن الآخر إِلا بحرف غير متصل به.
٩٥