فصل قوله :" المَتِينُ "، لأن ذا القوة كما تقدم لا يدل إلا على أن له قوةً ما، فزاد في الوصف المتانة وهو الذي له ثبات لا يتزلزل وهو مع المتين من باب واحد لفظاً ومعنى، فإن معنى مَتْن الشيء هو أصله الذي عليه ثباته والمتن هو الظهر الذي عليه أساس البدن والمتانة مع القوة كالعزّة مع القوي حيث قرن العزة مع القوة في قوله :" قَوِيٌّ عَزِيزٌ " وقوله :" القَوِيّ العَزِيزُ ".
قوله تعالى :﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ قد تقدم الكلام على الفاء في وجه التعلق.
والمراد بالذين ظلموا : كفار مكة.
ومعنى ذنوباً أي نصيباً من العذاب ﴿مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعادٍ، وثمود.
والذنوب : في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء، وفي الحديث الشريف :" فَأُتي بذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ " فإن لم تكن مَلأَى فهو الدَّلْو، ثم عبر به عن النَّصيب، قال علقمة : ٤٥٣٠ - وَفِي كُلّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتُ بِنِعْمَةٍ
فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنوبُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٠٥
ويجمع في القلة على أَذْنِبَةٍ، وفي الكثرة على ذَنَائِبَ.
وقال المَلكُ لما أنشد هذا البيت نَعَمْ وأَذْنِبَة.
وقال الزمخشري : الذَّنُوب الدلو العظيمة، وهذا تمثيل أصله في السّقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال الشاعر : ٤٥٣١ - لَنَا ذَنُوبٌ ولَكُم ذنُوبُ
فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا القَلِيبُ
١١٠
وقال الراغب : الذنوب الدلو الذي له ذنب انتهى.
فراعى الاشتقاق.
والذنوب أيضاً الفَرَسُ الطّويل الذّنب وهو صفة على فَعُول.
والذَّنوب لحم أسفل المَتْن.
ويقال : يَوْم ذَنُوب أي طويل الشّر استعارة من ذلك.
قوله :﴿فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي بالعذاب.
ووجه مناسبة الذنوب أن العذاب منصبّ عليهم كما يُصَبُّ الذَّنُوبُ، قال تعالى :﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾ [الحج : ١٩] وقال تعالى :﴿ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان : ٤٨] والذّنوب كذلك فكأنه قال : نصبّ فوق رؤوسهم ذَنُوباً من العذاب كذنوب صُبّ فوق رؤوس أولئك.
ووجه آخر وهو أن العرب يستقون من الآبار على النَّوْبَة ذنوباً فذنوباً وذلك وقت عيْشِهم الطيب، فكأنه تعالى قال :﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ من الدنيا وطيباتها " ذَنُوباً " إذا ملأوه ولا يكون لهم في الآخرة من نصيب كما كان عليه حال أصحابهم استقوا ذنوباً وتركوها، وعلى هذا فالذنوب ليس بعذاب ولا هلاك وإنما هو رَغَدُ العيش.
قال ابن الخطيب : وهو أليق بالعربية.
قوله تعالى :﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ يعني يوم القيامة.
وقيل : يوم بدر، وحذف العائد لاستكمال شُرُوطه، أي يُوعدونه.
١١١
روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - ﷺ - :" مَنْ قَرَأَ سُورَة " وَالذَّارِيَاتِ " أُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ كُلّ رِيحٍ هَبَّتْ وَجَرَتْ فِي الدُّنْيَا " (والله سبحانه وتعالى أعلم وأشفق وأرحم).
١١٢
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٠٥


الصفحة التالية
Icon