قوله :﴿قَالُوا ااْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ أي خائفين.
والمعنى أنهم يسألون عن سبب ما وصلوا إليه فيقولون : خَشْيَة اللَّهِ أي كنا نخاف الله " فَمَنَّ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ".
قال الكلبي : عذاب النار.
وقال الحسن :( - رضي الله عنه - ) : السموم اسمٌ من أسماء جهنم.
والسَّمُوم في الأصل الرِّيحُ الحَارَّة التي تَتَخَلَّل المَسَامَّ، والجمع سَمَائِمُ.
وسُمَّ يَوْمُنَا أي اشتدَ حَرُّهُ.
وقال ثعلب : السموم شدة الحر أو شدة البرد في النَّهَار وقال أبو عبيدة : السموم بالنهار وقد يكون بالليل والحَرُور بالليل وقد يكون بالنهار وقد يستعمل السموم في لَفْحِ البَرد وهو في لفح الحر والشمس أكثر.
وقد تقدم شيء من ذلك في سُورة " فاطر ".
وقرأ العامة : وَوَقَانَا بالتخفيف، وأبو حَيْوَة بالتَّشديد وقد تقدم.
قوله :" إنَّا كُنَّا قَبْلُ " أي في الدنيا " نَدْعُوهُ " نُخْلِصُ له العبادة.
وقوله :﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ﴾ قرأ نافعٌ والكسائيُّ بفتح الهمزة على التعليل أي لأنَّه والباقون بالكسر على الاستئناف الذي فيه معنى العلة فيتحد معنى القراءتين.
وقوله :" هُوَ البَرُّ ".
قال ابن عباس : اللطيف.
وقال الضحاك : الصادق فيما وعد الرحيم بعباده، (اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا).
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٣٣
قوله تعالى :﴿فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ لما بين تعالى أن في الوجود قوماً يخافون الله، ويشفقون في أهلهم والنبي - عبليه الصلاة والسلام - مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى لقوله تعالى :﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق : ٤٥] فوجب التذكير فلذلك ذَكَرَهُ بالفاء.
قوله :" بِنِعْمَةِ رَبِّكَ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مقسم به متوسط بين اسم " ما " وخبرها.
ويكون الجواب حينئذ محذوفاً لدلالة هذا المذكور عليه والتقدير :" وَنِعْمَةَ رَبّكَ مَا أَنْتَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ".
الثاني : أن الباء في موضع نصب على الحال، والعامل فيها :" بِكَاهِنٍ أوْ مَجْنُون " والتقدير : ما أنت كاهناً ولا مجنوناً ملتبساً بنعمة ربك.
قاله أبو البقاء.
وعلى هذا فهي حالٌ لازمة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يفارق هَذِهِ الحَالَ.
الثالث : أن الباء متعلقة بما دل عليه الكلام وهو اعتراض بين اسم " ما " وخبرها والتقدير : ما أنت في حال أذْكَارِك بنعمةِ ربك بكاهنٍ ولا مجنون.
قاله الحوفيّ.
قال شهاب الدين : ويظهر وجه رابع وهو أن تكون الباء سببية وتتعلق حينئذ بمضمون الجملة المنفية.
وهذا هو مقصود الآية الكريمة.
والمعنى انتفى عنك الكَهَانَةُ والجنونُ بسبب نعمةِ الله عليك كما تقول : مَا أَنْتَ بمُعْسرٍ بحمْدِ اللَّهِ وَغِنائِهِ.
فصل المعنى " فَذَكِّرْ " يا محمد أهل مكة بالْقُرْآنِ ﴿فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ أي برحمته وعصمته " بِكَاهِنٍ " مبتدع القول ومخبر بما في غد من غير وحي " وَلاَ مَجْنُونٍ " نزلت في الذين اقتسموا عِقَابَ مكة يرمون رسول الله - ﷺ - بالكَهانةِ والسِّحر والجُنُون والشِّعر.
١٣٥
قوله :" أَمْ يَقُولُونَ " قال الثعلبي : قال الخليل : كل ما في سورة الطور من " أم " فاسْتِفْهَامٌ وليس بِعَطْفٍ.
وقال أبو البقاء :" أم " في هذه الآيات منقطعة.
وتقدم الخلاف في المنقطعة هل تقدر بِبَلْ وحدَها أو بِبَلْ والهمزة أو بالهمزة وحدها.
والصحيحُ الثاني.
وقال مجاهد في قوله :" إنْ تَأمُرهُمْ " تقديره بَلْ تَأمُرُهُمْ.
وقرأ :﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ يدل : أم هُمْ قَوْمٌ.
قوله :" نَتَرَبَّصُ " في موضع رفع صفة لـ " شَاعِرٌ " والعامة على " نَتَرَبَّص " بإسناد الفعل لجماعة المتكلمين " رَيْبَ " بالنصب.
وزيد بن علي : يُتَرَبَّصُ - بالياء من تحت - على البناء للمفعول " رَيْبُ " بالرفع.
و " رَيْبُ المَنُونِ " : حَوَادِثُ الدَّهْر، وتَقَلُّبَات الزَّمان ؛ لأنها لا تدوم على حال كالريب وهو الشك فإنه لا يبقى بل هو متزلزل.
قال الشاعر : ٤٥٣٥ - تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا
تُطَلَّقُ يَوْماً أَوْ يَمُوتُ خَلِيلُهَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٣٥
وقال أبو ذُؤَيْب : ٤٥٣٦ - أَمِنَ الْمَنُونَ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
والمنون في الأصل الدهر.
وقال الراغب : المَنُونُ : المنيّة ؛ لأنها تَنْقُصُ العَدَدَ، وتَقْطَعُ الْمَدَدَ.
وجَعَلَ من ذلك قوله :﴿أجر غير ممنون﴾ أي غير منقطع.
وقال الزمخشري : وهو في الأصل : فعول من منه إذا قطعه لأن الموت قطوع، ولذلك سميت شعوب.
و " رَيْبَ " وريبة مفعول به أي ننتظر به حوادث الدهر أو المنية.

فصل المعنى : بل يقولون يعني هؤلاء المقتسمين الخَرَّاصين شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ به رَيْبَ المنون


١٣٦


الصفحة التالية
Icon