قوله :" بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ " العامة على تنوين " حَدِيثٍ " وَوَصْفِهِ بـ " مِثْلِهِ ".
والجَحْدَرِيُّ وأبو السَّمَّال " بحَدِيثِ مِثْلِهِ " بإضافة حديث إلى " المِثْل " على حذف موصوف أي بحديثِ رجلٍ مِثْلِهِ من جِنْسِهِ.
فصل قالت المعتزلة : الحديث محْدَث، والقرآن سماه حديثاً فيكون مُحْدَثاً.
وأجيبوا : بأن الحديث اسمٌ مشترك يقال للمُحْدَث والمنقول وهذا يصح أن يقال : هذا حديث قديم أي متقادم العَهْد، لا بمعنى سبب الأزلية وذلك لاَ نِزَاع فِيهِ.
فإن قيل : الصّفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير والموصوف هنا :" حَدِيث " وهو مُنَكَّر، و " مِثْلِهِ " مضاف إلى " القرآن " والمضاف إلى القرآن مُعَرَّف فكيف هذا ؟ فالجواب : أن " مِثْلاً " و " غَيْراً " لا يتعرَّفان بالإضافة، وكذلك كل ما هو مثله كشِبْهٍ، وذلك أن " غَيْراً ومِثْلاً " وأمثالهما في غاية التنكير ؛ لأنك إذا قلت :" مِثْلُ زَيْدٍ " يتناول كل شيء، فإن كل شيء مثل زيد في شيء فالحِمار مثله في الجسم والحجم والإمكان والنباتُ مثله في النُّشُوء والنَّمَاء والذّبُول والفَنَاء، والحَيَوَان مثله في الحركة والإدراك وغيرها من الأوصاف.
وأما " غَيْرُ " فهو عند الإضافة ينكَّر وعند قطع الإضافة ربَّما يَتَعرَّف ؛ فإنك إذا قلت : غَيْر زيدٍ صار في غاية الإبهام، فإنه يتناول أموراً لا حصر لها، وأما إذا قطعتَ " غير " عن الإضافة فربَّما يكون الغَيْرُ والمُغَايَرَةُ من بابٍ واحد وكذلك التَّغيُّر فتجعل الغير كأسماء الجنس وتَجْعَلُهُ مبتدأ أو تريد به معنى معيَّناً.
قوله :" أَمْ خُلِقُوا " لا خلاف أن " أم " هنا ليست بمعنى بل لكن أكثر المفسرين على
١٣٩
أن المراد ما وقع في صدر الكلام من الاستفهام بالهمزة كأنه يقول :" أَخُلِقُوا مِنْ غير شيء ".
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره : أَم خُلِقُوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟ قوله :﴿مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ يجوز أن تكون " من " لابْتِدَاء الغاية على معنى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شيء حَيٍّ كالجَمَادِ فهم لا يُؤْمَرُون ولا يُنْهَوْنَ كما الجَمَادَات، وقيل : هي للسَّبَبِيَّة على معنى من غير عِلَّةٍ، ولاَ لِغَايَةِ ثوابٍ ولا عقابٍ.
فصل وجه تعلق الآية بما قبلها أنهم لما كذبوا النبي - عليه الصلاة والسلام - ونسبوه إلى الكَهَانَةِ والشِّعْر والجُنُونِ وبرأه الله من ذلك ذكر الدليل على صِدْقِهِ إبطالاً لتكذيبهم وبدأ بأنفسهم فكأنه يقول : كيف تكذبونَهُ وفي أنفسكم دليل صدقه، لأن قوله كانَ في ثلاثة أشياء، في التوحيدِ، والحَشْرِ، والرسالة ففي أنفسهم ما يعلم صدقه وهو أنهم خلقوا وذلك دليل التوحيد لما تقدم أنَّ : فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِدُ ؟
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٣٥
وأما الحشر فلأن الخلق الأول دليل على جواز الخلق الثاني.
فصل قال المفسرون : معنى الآية : أم خلقوا من غير شَيْءٍ فوُجِدُوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ لأنفسهم وذلك في البُطْلاَن أشدُّ ؛ لأن ما لا وجودَ له كيف يخلق فإذا بَطَلَ الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به.
قال هذا المعنى أبو سليمان الخَطَّابِيُّ.
وقال الزجاج : معناه أَخُلِقُوا باطلاً لا يُحَاسَبُون ولا يُؤْمِنُون وقال ابْنُ كَيْسَانَ : أخلقوا عبثاً وتركوا سُدًى لا يُؤْمَرُونَ ولا يُنهَوْن كقول القائل
١٤٠