قوله :﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ﴾ أي مِرْقَاةٌ ومِصْعَد إلى السماء " يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ".
وهذا أيضاً تتميم الدليل، فإن مَنْ لا يكون خازناً ولا كاتباً قد يطلع على الأمر بالسماع من الخازن أو الكاتب فقال : أنتم لستم بخزنة ولا كَتَبَةٍ ولا اجتمعتم بهم، لأنهم ملائكة ولا صعود لكم.
قوله :" يَسْتَمِعُونَ فِيهِ " صفة " لسُلَّمٍ " و " فِيهِ " على بابه من الظرفية.
وقيل : هي بمعنى " عَلَى ".
قاله الواحدي، كقوله تعالى :﴿وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه : ٧١].
ولا حاجة إلَيْهِ.
وقدَّره الزمخشري متعلقاً بحال محذوفة تقديرها : صَاعِدِينَ فيه.
ومفعول " يَسْتَمِعُونَ " محذوف فقدره الزمخشري يستمعون ما يوحى إلى الملائكة من عِلْم الغيب.
وقدره غيره يستمعون الخبر بصحة ما يدعون من أنه شاعر، وأنَّ لِلَّهِ شركاءَ.
والظاهر أنه لا يقدر له مفعول بل المعنى يوقعون الاستماع أي هل لهم قوة الاستماع من السماء حتى يعلموا أنه ليس برسول.
قوله :" فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ " إن ادَّعَوْا ذلك " بسلطان مبين " أي حجة وبينة.
فإن قيل كيف قال :" فَلْيَأتِ مُسْتَمِعُهُمْ " ولم يقل : فَلْيَأتُوا كما قال تعالى :﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾ [الطور : ٣٤] ؟
١٤٣
فالجواب : أنه طلب منهم الأهون على تقدير صدقهم ليكون امتناعُه عليهم أدلَّ على بُطْلان قولهم، وقال هناك : فَلْيَأتوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا وأتوا بمثله، فإن ذلك عند الاجتماع أهون وأما الارْتِقَاءُ في السلم بالاجتماع فمتعذِّر، لأنه يرتقي واحدٌ بعد واحد فلا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : فَلْيَأتِ ذَلك الواحد بما سَمِعَهُ.
وفيه لطيفة وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه لكان الواحد أن يفتري ويقول : سَمِعْتُ كذا فقال : لاَ بل الواجب أن يأتي بدليل يَدُلُّ عليه.
قوله :﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾ وهذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون كقوله تعالى :﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات : ١٤٩].
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً﴾ جعلاً على ما جئتهم به ودعوتهم إليه ﴿فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ أي أثقلهم ذلك المَغْرَم الذي يسألهم، فيمنعهم ذلك عن الإسلام.
فإن قيل : ما الفائدة في سؤال النبي - ﷺ - حيث قال : أَمْ تَسْأَلَهُمْ ولم يقل : أَمْ تُسْأَلُونَ أجراً كما قال تعالى :﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً﴾ إلى غير ذلك ؟ فالجواب : أنَّ فيه فائدتين : إحداهما : تسلية قلب النبي - ﷺ - لأنهم امتنعوا عن الاستماع صَعُبَ على النبي - ﷺ - فقال له ربه : أَنْتَ أتيتَ بما عليك فلا يَضيقُ صدرُك حيث لم يُؤْمنوا، فأنت غير مُلْزَم، وإنما كنت تُلاَمُ إن كنت طلبت منهم أجراً فهل طلبت ذلك فأَثْقَلْتَهُمْ فلا حَرَجَ عليك إذَنْ.
الثانية : لو قال : أَمْ تُسْأَلُونَ ففي طلب الأجر مطلقاً وليس كذلك لأنهم كانوا مشركين مطالبين بالأجر من رؤسائهم وأما النبي - ﷺ - فقال : أنتَ لا تسألهم أجراً فهم لا يَتَّبِعُونَك وغيرهُم يسألهم وهم يسألون ويتَّبِعون السائلين هذا غاية الضَّلاَل.
قوله :﴿أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ﴾ أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أن ما يخبرهم من أمر القيامة والبعث باطل.
قال قتادة : هذا جواب لقوله :﴿نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ يقول : أعندهم الغيب حتى علموا أن محمداً يموت قبلهم فهم يكتبون.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف لبعد ذكره، أو لأن قوله تعالى :﴿قُلْ تَرَبَّصُواْ﴾ متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذاك.
١٤٤


الصفحة التالية
Icon