وقوله :" سَحَابٌ " خبر مبتدأ مضمر أي هذا سَحَابٌ، والجملة نَصْبٌ بالقول.
فصل لما بين فَسَاد أقوالهم وسقوطها أشار إلى أنه لم يبق لهم عُذْرٌ، فإن الآيات والحُجَج قد ظهرت ولم يؤمنوا فبعد ذلك ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً﴾ أي قطعةً ﴿مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ﴾ أي ينكرون كونه آية.
ومعنى الآية لو عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم لم يَنْتَهُوا عن كفرهم ويقولوا لمعاندتهم : هَذَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ أي بعضه على بعض.
قوله :" سَاقِطاً " يحتمل أن يكون مفعولاً ثانياً كقولك : رَأَيْتُ زيداً عَالِمَاً، وأن يكون حالاً كقولك : ضربته قائماً.
والثاني أولى ؛ لأن الرؤية عند التعدي إلى مفعولين في أكثر الأمر تكونُ بمعنى العلم، تقول : رَأَيْتُ هَذَا المَذْهَبَ صَحِيحاً وهذا الوجه ظاهراً وعند التعدي إلى واحد تكون بمعنى " رأي العين " في الأكثر، تقول : رأيت زيداً ؛ قال تعالى :﴿فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ [غافر : ٨٤] وقال :﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً﴾ [مريم : ٢٦].
والمراد من الآية رؤية العين.
فصل قولهم :" سَحَابٌ مَرْكومٌ " إشارة إلى أنهم حين يعجزون عن التكذيب ولا يمكنهم أن يعقلوا وقوع شيء على الأرض يَرْجِعون إلى التأويل والتَّخْييل، وقالوا : سَحَابٌ ولم يقولوا : هذا سحاب إشارة إلى وضوح الأمر وظهور العِنَاد فأتوا بما لا شك فيه.
وقالوا :" سحاب مركوم " وحذفوا المبتدأ ليبقى للقائل فيه مجال فيقولون عند تكذيب الخلق إيّاهم : قُلْنَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ شبهة أو مثلة.
وإن مشى الأمر على عوامِّهم استمروا.
وهذه طريق من يخاف من كلام لا يعلم هل يقبل منه أم لا فيجعل كلامه ذَا وَجْهَيْنِ.
فإن رأى القبول صرح بمرادهِ، وإن أنكر عليه أحدهما فَسَّره بالآخَر.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٣٥
قوله :﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ﴾ " يومهم " مفعول به لا ظرف.
وقرأ أبو حيوة :
١٤٧
يَلْقُوا مضارع لَقِيَ ويُضْعِفُ أن يكون المفعول محذوفاً و " يَوْمَهم " ظرف أي يلاقوا أو يلقوا جزاء أعمالهم في يَوْمِهِمْ.
فصل قوله :" فذرهم " كقوله :﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [الأنعام : ٦٨]، ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [الصافات : ١٧٨] إلى غير ذلك.
فقيل : كلها منسوخة بآيات القتال.
وهو ضعيف.
وإنما المراد التهديد كقول السيد لعبده الجاني لمن ينصحه : دَعْهُ فإنه سَيَنَالُ جِنَايَتَهُ.
قوله :﴿الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ قرأ ابنُ عامر وعاصم بضم ياء يصعقون مبنياً للمجهول.
وباقي السبعة بفتحها مبنياً للفاعل.
وقرأ أبو عبد الرَّحْمَنِ : بضم الياء وكسر العين.
فأما الأولى : فيحتمل أن تكون من صُعِقَ فهو مَصْعُوق مبنياً للمفعول.
وهو ثلاثي حكاه الأخفش، فيكون مثل سُعِدُوا وأن يكون من أَصْعَقَ رُبَاعِيًّا، يقال : أُصْعِقَ فهو مُصْعَقٌ.
قاله الفارسي.
والمعنى أن غيرَهم أَصْعَقَهُمْ.
وقراءة السلمي تؤذن أن أفْعَلَ بمعنى فَعِلَ.
ومعنى يصعقون أي يموتون أي حتى يعاينوا الموت.
وقوله :﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ﴾ يوم بدل من " يَوْمَهُمْ ".
وقيل : ظرف " يُلاَقُوا ".
فإن قيل : يلزم منه أن يكون اليومُ في يوم فيكون اليومُ ظرفَ الْيَوْمِ ؟ فالجواب : هو على حدّ قولك : يأتي يَوْمُ قتل فلان يَوْمَ تَبين جَرائِمُهُ.
قاله ابن الخطيب.
وقوله ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي لا ينفعهم كيدهم يوم الموت ولا يمنعهم من العذاب مانعٌ.
قوله :﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ يجوز أن يكون من إتباع الظاهر موقع المضمر وأن لا يكون كما تقدم.
والمعنى وإن للذين ظلموا أي كفروا ﴿عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ﴾ أي عذاباً في
١٤٨