ودلائل النبوة أيضاً كثيرة وهي المعجزات المشهورة وأما الحشر ووقوعه فلا يمكن إثباته إلاَّ بالسمع فأكثر فيه القسم ليقطع بها المكلف ويعتقده اعتقاداً جازماً.
فصل قال ابن الخطيب : والفائدة في تقييد القسم به بوقت هويه إذا كان في وسط السماء بعيداً عن الأرض لا يهتدي إليه السَّارِي لأنه لا يعلم به المَشْرِق من المَغْرِب ولا الجنوب من الشّمال.
فإِذا زال عن وسط السماء تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب عن الشمال.
وخص الهويَّ دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا كما قال الخليل - عليه الصلاة والسلام - ﴿لا اا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام : ٧٦].
وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه وقد كان منهم من يعبده فنبه بهُوِيِّه على عدم صلاحيته للإِلهيَّة بأُفُولِهِ.
١٥٤
فصل أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها لفظاً ومعنى، أما لفظاً فقوله :" وَإِدْبَارَ النُّجُومِ " وافتتح هذه بالنجم مع واو القسم، وأما معنًى فلأنه تعالى لما قال لنبيه :﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور : ٤٩] بين له أنه (جزأه في أجزاء مكابدة النبي - ﷺ - بالنجم) وبعده (عما لا يجوز له) فقال :﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾.
قوله :" إذَا هَوَى " في العامل في هذا الظرف أوجه وعلى كل منها إِشْكَال.
أحدها : أنه منصوب بفعل القسم المحذوف تقديره : أُقْسِمُ بالنجم وقْتَ هُويه.
قاله أبو البقاء.
وهو مشكِل ؛ فإن فعل القسم إنشاء والإنشاء حال و " إذا " لما يستقبل من الزمان فكيف يتلاقيان ؟ !.
الثاني : أن العامل فيه مقدر على أنه حال من (النَّجْمِ) أقْسَمَ به حال كونه مستقراً في زمان هُوِيِّهِ.
وهو مشكلٌ من وجهين : أحدهما : أن النجم جثّة والزمان لا يكون حالاً كما لا يكون خبراً.
والثاني : أن (إِذَا) للمستقبل فيكف يكون حالاً ؟ !.
وقد أجيب عن الأول بأن المراد بالنَّجم القطعة من القرآن والقرآن قد نزل منجماً في عشرين سنة.
وهذا تفسير عن ابن عباس وعن غيره.
وعن الثاني بأنها حال مقدرة.
الثالث : أن العامل فيه نفس النجم إذا أريد به القرآن.
قاله أبو البقاء.
وفيه نَظَرٌ ؛ لأن القرآن لا يعمل في الظرف إذا أريد أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص.
وقد يقال : إِنَّ النجم بمعنى المنجَّمِ كأنه قيل والقرآن المُنَجَّم في هَذَا الوَقْتِ.
وهذا البحث وارد في مواضع منها :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ وما بعده [الشمس : ١ - ٥] وقوله :﴿وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل : ١] ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى : ١ و ٢] وسيأتي في الشمس بحث أخص من هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
والهوِيُّ قال الراغب : سقوطٌ
١٥٥
من عُلوٍّ ثم قال :" والهَوِيُّ ذهاب في انحدار والهُوِيّ ذهاب في ارْتفاع "، وأنشد : ٤٥٤٣ -.........................
يَهْوِي مَخَارِمُهَا هُوِيَّ الأَجْدَلِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٥٢
وقيل : هَوَى في اللغة خرق الهواء، ومقصده السّفْل أو مصيره إليه وإن لم يقْصِدْه قال - ( رحمةُ اللَّهِ عليه - ) : ٤٥٤٤ -.........................
هُوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
وقال أهل اللغة : هَوَى يَهْوِي هُويًّا أي سقط من علُوٍّ، وهَوِيَ يَهْوَى هَوًى أي صَبَا.
وقد تقدم الكلام في هذا مُشبعاً.
قوله :﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾ هذا جواب القسم، والمعنى : ما ضل صاحبكم يعني محمداً - ﷺ - ما ضل عن طريق الهدى " وَمَا غَوَى " ذهب أكثر المفسرين إلى أن الضلال والغي بمعنى واحد.
وفرق بعضهم بينهما قال : الضلال في مقابلة الهدى والغي في مقابلة الرشد، قال تعالى :﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ [الأعراف : ١٤٦] وقال تعالى :﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة : ٢٥٦].
قال ابن الخطيب : وتحقيق القول فيه أن الضلال أعمّ استعمالاً في الوضع، تقول : ضَلَّ بَعِيرِي ورَحْلِي ولا تقول غيَّ ؛ فالمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقاً أصلاً، والغواية أن لا يكون له طريق إِلَى القصد مسقيم، ومما يدل على هذا قولك للمؤمن الذي ليس على طريق السداد : إنَّه سَفِيهٌ غير رشيدٍ ولا تقول : إنه ضال فالضال كالكافر والغَاوي كالفاسق كأنه تعالى قال : ما ضَلَّ أي ما كفر ولا أقلّ من ذلك فما فسق أو يقال : الضلال كالعدم والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة.
١٥٦