فصل ذو مرة ذو قوة وشدة في خلقه يعني جبريل قال ابن عباس : ذو مِرّة أي ذو منظر حسن.
وقال مقاتل : وقيل : ذو كمال في العقل والدين ذو خلق طويل حسن.
وقيل : ذو كمال في العقل والدين جميعاً.
وقيل : ذو منظر وهيئة عظيمة.
فإن قيل : قد تبين كونه ذا قوة بقوله :" شَدِيدُ القُوَى " فكيف قال بعده : ذو مرة إذا فسرنا المرَّة بالقوة ؟ !.
قال ابن الخطيب : وقوله هنا : ذُو قُوة بدل من " شَدِيدُ القُوَى " وليس وصفاً له تقديره : ذو قوة عظيمة.
ووجه آخر وهو أن إفراد " قُوَى " بالذكر ربّما يكون لبيان أن قواه المشهورة شديدة وله قوة أخرى خَصَّه الله بها، يقال فلانٌ كثيرُ المال وله مال لا يعرفه أحدٌ أي أمواله الظاهرة كثيرة وله مال باطن.
ثم قال : على أنَّا نَقُول : المراد ذو شدة وهي غير القوة وتقديره علمه من قواه شديدة وفي ذاته أيضاً شدة فإن الإنسان رُبَّمَا تكون قواه شديدةً وفي جسمه حقارةٌ.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله :" شديد القوى " قوته في العلم وبقوله :" ذو مرة " أي شدة في جسمه فقدم العِلْميَّة على الجِسْمِيَّة كقوله تعالى :﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ [البقرة : ٢٤٧].
وقوله :" فَاسْتَوَى " يعني جبريل في خلقه.
قال مكي : اسْتَوَى يقع للواحد وأكثر ما يقع من اثنين ولذلك جعل الفَرَّاءُ الضمير لاثنين.
قوله :﴿وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ﴾ في الضمير وجهان :
١٥٩
أظهرهما : أنه مبتدأ و " بِالأُفُقِ " خبره.
والضمير لجبريل أو للنبي - ﷺ -.
ثم في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أن هذه الجملة حال من فاعل " استوى ".
قاله مكي.
والثاني : أنها مستأنفة.
أخبر الله تعالى بذلك.
والثالث : أن " وَهُوَ " معطوف على الضمير المستتر في " اسْتَوَى " وضمير " اسْتَوَى " و " هُوَ " لمحمد - ﷺ -.
قال البغوي في توجيه هذا القول : أكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا أن يظهروا كناية المعطوف فيه فيقولون : اسْتَوَى هُوَ وَفُلانٌ وقَلَّ ما يقولون : اسْتَوَى وفُلاَنٌ.
ونظير هذا قوله عز وجل :﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ﴾ [النمل : ٦٧] عطف " الآباء " على المكنيّ في " كُنَّا " من غير إظهار " نَحْنُ ".
ومعنى الآية استوى جبريل ومحمد - عليهما الصلاة والسلام - ليلة المعراج " بالأُفُقِ الأَعْلَى "، وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس.
وقيل : ضمير " استوى " لمحمد و " هو " لجبريل.
وهذا الوجه الثاني يتمشى على قول الكوفيين لأن فيه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير تأكيد، ولا فاصل.
وهذا الوجه منقول عن الفراء والطبري.
وإذَا قِيلَ : بأن الضميرين أعني " اسْتَوَى " و " هُوَ " لجبريل فمعناه قام في صورته التي خلقه الله فيها ﴿وهو بالأفق الأعلى﴾، وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله - ﷺ - في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله ﷺ أن يُرِيهُ نفسه في صورته التي جُبِلَ عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى وهو جانب المشرق وذلك أن محمداً - ﷺ - كان بِحرَاءَ فطلع له جبريلُ من المَشْرِق فسدَّ الأرض من المَغْرِب، فخر رسول الله - ﷺ - مَغْشِيًّا عليه فنزل جبريل في
١٦٠
صورة الآدميين فضمه إلى نفسه، وجعل يمسح التراب عن وجهه وهو قوله :﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾.
وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلاَّ محمداً - ﷺ -.
وقيل : معنى :" فَاسْتَوَى " أي استوى القرآن في صدره.
وعلى هذا فيه وجهان : أحدهما : فاستوى أي فاعتدل في قوته.
الثاني : في رسالته.
نقله القرطبي عن المَاوَرْدِي.
قال : وعلى هذا يكون تمام الكلام ذو مرة، وعلى الثاني شَدِيد القوى.
وقيل : اسْتَوَى أي ارتفع.
وفيه على هذا وجهان : أحدهما : أنه جبريل - عليه الصلاة والسلام - أي ارتفع إلى مكانه.
الثاني : أنه النبي - عليه الصلاة والسلام - أي ارتفع بالمعراج.
وقيل : معناه استوى أي الله عز وجل استوى على العرش.
قاله الحسن.
قوله :﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ التدلي : الامتداد من علو إلى سفل، فيستعمل في القرب من العلو قاله الفراء، وابن الأعرابي.
وقال الهذلي : ٤٥٤٩ - تَدَلَّى عَلَيْنَا وَهْوَ زَرْقُ حَمَامَةٍ
لَه طِحْلِبٌ فِي مُنْتَهَى القَيْظِ هَامِدُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٥٢
وقال الشاعر : ٤٥٥٠ -.......................
تَدَلَّى عَلَيْنَا بَيْنَ سِبٍّ وَخَبْطَةٍ
١٦١