أي في الذي حدثتني.
وجوز في (ما) وجهين آخرين : أحدهما : أن يكون بمعنى الذي.
والثاني : أن تكون مصدرية ويجوز أن يكون فاعل (رأى) ضميراً يعود على الفؤاد أي لم يشك قلبه فيما رآه بعَيْنِهِ.
فصل قال الزمخشري معناه : أن قلبه لم يكذب وما قال إن من يراه بصرك ليس بصحيح ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذباٌ فيما قاله فما كذب الفؤاد.
هذا على قراءة التخفيف، يقال : كَذَبَهُ إِذَا قال له الكَذِبَ.
وأما قراءة التشديد فمعناه ما قال : إن المرئيَّ خيالٌ لا حقيقةٌ.
وأما الرائي فقيل : هو الفؤاد كأنه تعالى قال : ما كذب الفؤادُ ما رآه الفؤاد أي لم يقل : إنه هاجس شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح.
وقيل : الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر خيال.
وقيل : ما كذب الفؤاد وما رأى محمد - عليه الصلاةُ والسلامُ - وعلى هذا فالمراد بالفؤاد الجنس ؛ أي القلوب شهدت بصحة ما رآه محمد - ﷺ -.
وأمَّا المرئي فقيل : هو الرب تعالى.
وقيل : جبريل - عليه الصلاة والسلام - وقيل : الآيات العجيبةُ الإلهيَّة.
فالقائل بأن المرئي جبريل - عليه الصلاة والسلام - هو ابنُ مسعودٍ وعائشةُ - رضي الله عنهما - ومن قال بأن المرئيَّ هو الله تعالى اختلفوا في معنى الرؤية، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده.
وهو قول ابن عباس، قال : رآه بفؤاده مرتين ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ [النجم : ١٣].
وقال أنس والحسن وعكرمة : رأى محمدٌ ربَّه بعينيه.
وروى عكرمة عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال :" إنَّ اللَّهَ
١٦٧
اصْطَفَى إبْرَاهيمَ بالخلَّةِ، واصْطَفَى مُوسَى بالكَلاَم، واصْطَفَى مُحَمَّداً بالرُّؤْيَةِ - ﷺ ".
وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول : لم ير رسول الله ﷺ - ربه.
وتحمل الرؤية على رؤية جبريل.
وقال مسروق : قلت لعائشة : يا أمَّتاه هل رأى محمدٌ رَبَّه ؟ فقالت : لقد قفَّ شعري لما قلت أين أنت من ثلاث من حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ، من حَدَّثَكَ أنَّ محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأتْ :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام : ١٠٣] ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى : ٥١] ومن حَدَّثَك أنه يَعْلم مَا في غَدٍ فقد كَذَب ثم قرأت :﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ [لقمان : ٣٤] ومن حدّثك أنه كَتَم شيئاً مما أنْزل الله فقد كذب ثم قرأت :﴿يَـاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ الآية [المائدة : ٦٧] ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين.
وروى أبو ذر قال :" سألت رسول الله - ﷺ - : هل رأيت ربك قط ؟ قال : نُورٌ أنَّى أَرَاهُ ".
قوله :" أَفَتُمَارُونه " قرأ الأخوان أَفَتَمْرُونَهُ بفتح التاء وسكون الميم، والباقون تُمَارُونَهُ.
وعبد الله الشعبي أَفَتُمْرون بضم التاء وسكون الميم.
فأما الأولى ففيها وجهان : أحدهما : أنها من مَرَيْتُهُ حَقَّه إذا علمته وجَحَدتَهُ إياه، وعدي بعلى لتضمنه معنى الغلبة.
وأنشد : ٤٥٥٤ - لَئِنْ هَجَوْتَ أَخَا صِدْقٍ ومَكْرُمَةٍ
لَقَدْ مَرَيْتَ أَخاً مَا كَانَ يَمْرِيكَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٥٢
لأنه إذا جحده حقه فقد غلبه عليه.
وقال المبردُ يقال : مَرَاهُ عَنْ حَقِّه وعَلَى حَقِّه إذا مَنَعَهُ منه، قال : ومثلُ " على " بمعنى " عن " قول بني كعب بن ربيعة :" رَضِيَ اللَّه عَليكَ " ؛ أي : عَنْكَ.
والثاني : أنها من مَرَأَهُ على كذا أي غلبه عليه، فهو من المِرَاءِ وهو الجِدَالُ.
وأما الثانية : فهي من مَارَاه يُمَارِيه مراءً أي جَادَلَهُ.
واشتقاقه من مَرْي الناقة لأن كل واحد من المُتَجادِلَيْنِ يَمْرِي ما عند صاحبه.
وكان من حقه أن يتعدى بفي كقولك : جَادَلْتهُ فِي كذا.
وإنّما ضُمِّن معنى الغلبة.
وأما قراءة عبد الله فمن أَمْراهُ رباعيًّا.
١٦٨
فصل المعنى أفتجادلونه أي كيف تجادلونه على ما يرى، وذلك أنهم جادلوه حين أُسْرِيَ به فقالوا : صِفْ لنا بيتَ المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه والمعنى أفتجادلونه جدالاً ترومون به دفعه عما رآه وعلمه وتيقَّنه.
فإن قيل : هلا قيل : أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به كما تقدم وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع ؟ فالجواب : أن التقدير أفتُمَارُونَه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه ؟.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٥٢