وعلى هذا فيحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون صفة على " فُعْلَى " - بضم الفاء - وإنما كسرت الفاء لتصحَّ الياء " كَبِيضٍ ".
فإن قيل : وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضمّ الفاء ؟ ولم لا قيل : إنَّها فِعْلَى بالكسر ؟.
١٨٣
فالجواب : أن سيبويه حكى أنه لم يرد في الصفات فِعْلَى - بكسر الفاء - إنما ورد بضَمِّها، نحو : حُبْلَى وأُنْثَى ورُبَّى وما أشبهه إلا أنه قد حكى غيره في الصِّفات ذلك ؛ حكى ثعلب : مِشْيَةٌ حِيكَى.
وَرُجلٌ كِيصَى، وحكى غيره : امرأةٌ عِزْهَى، وامرأة سِعْلَى.
وهذا لا ينقض، لأن سيبويه يقول في حِيكَى وكِيصَى كقوله في ضِيزَى : لتصحَّ الياء.
وأما عِزْهَى وسِعْلَى فالمشهور فهيما عِزْهَاةٌ وسِعْلاَةٌ.
وقال البغوي : ليس في كلام العرب فِعْلَى بكسر الفاء في النعوت إنما يكون في الإسماء مثل ذِكْرَى، وشِعْرَى.
والوجه الثاني : أن تكون مصدراً كَذِكْرَى.
قال الكسائي : يقال ضَازَ يَضِيزُ كَذكَرَ يَذْكُرُ، ويحتمل أن يكون من ضَأَزَهُ بالهمز - كقراءة ابن كثير، إلا أنه خفف همزها وإن لم يكن من أصول القراء كلهم إبدالُ مثل هذه الهمزة ياء لكنها لغة التزمت فقرأوا بها.
ومعنى ضَأَزَهُ يَضْأَزُهُ نَقَصَهُ ظلماً وجوراً.
وممن جوز أن تكون الياء بدلاً من همزة أبو عُبَيْدٍ وأن يكون أصلها ضُوزَى بالواو، لأنه سمع ضَازَه يَضُوزهُ ضُوزَى وَضَازهُ يَضِيزُهُ ضِيزَى وَضَأَزَهُ يَضْأَزُهُ ضَأزاً، حكى ذلك كله الكسائي.
وحكى أبو عبيد : ضِزْتُهُ وضُزْتُهُ بكسر الفاء وضمها فكسرت
١٨٤
الضاد من ضُوزَى، لأن الضمة ثقيلةٌ مع الواو.
وفعلوا ذلك ليَتَوصَّلوا به إلى قلبِ الواو ياءً وأنشد الأخضر على لغة الهمزة : ٤٥٦١ - فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا تَنْتَقِصْكَ وإنْ تَغِبْ
فَسَهْمُكَ مَضْئُوزٌ وَأَنْفُكَ رَاغِمُ
وضيزَى في قراءة ابن كثير مصدر وُصِفَ به، ولا يكون وصفاً أصلياً لما تقدم عن سيبويه.
فإن قيلَ : لِمَ لا قيلَ في ضيزى بالكسر والهمز إنّ أصله ضُيْزى بالضم فكسرت الفاء كما قيل فيها مع ألفها ؟ فالجواب : أنه لا موجب هنا للتغيير، إذ الضم مع الهمز لا يستثقل استثقاله مع الياء الساكنةِ.
وسمع منهم : ضُؤْزَى بضمِّ الضاد مع الواو والْهَمْزِ.
وأمَّا قراءة زيد فيحتمل أن تكون مصدراً وُصِفَ بِهِ كَدعوى وأن تكون صفة كسَكْرَى وعَطْشَى وغَضْبَى.
قوله :(إنْ هِيَ) في (هي) وجهان : أحدهما : أنها ضمير الأصنام أي وما هي إلا أسماءٌ ليس تحتها في الحقيقة مُسَمياتٌ لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها، وأشد منافاة لها.
وهذا على سبيل المبالغة والتجوز، كما يقال لتحقير إنسان : ما زيد إلا اسم إذا لم يكن مشتملاً على صفة معتبرة كقوله :﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ [يوسف : ٤٠].
الثاني : أن يكون ضمير الأسماء وهي اللاَّت والعُزَّى ومَنَاة، وهم يقصدون بها أسماء الآلهة يعني وما هذه الأسماء إلا سَمَّيْتُمُوها بهواكم وشهْوتكم ليس لكم على صحة تسميتها بُرهانٌ تتعلقون به.
قال أبو البقاء :" أَسْمَاءٌ " يجب أن يكون المعنى ذَوَاتُ أَسْمَاءٍ، لقوله :" سَمَّيْتُمُوهَا " ؛ لأن الاسم لا يسمى.
١٨٥


الصفحة التالية
Icon