وأصل اللمم ما قلَّ وصَغُر، ومنه اللَّمَمُ وهو المسُّ من الجُنُون وألمَّ بالمكان قَلَّ لَبْثُهُ فيه، وأَلَمَّ بالطعام أي قل أكلُهُ منه.
وقال أبو العباس : أصل اللَّمَم أن يلمَّ بالشيء من غير أن يَرْكَبَهُ فقال : أَلَمَّ بكَذَا إذا قاربه، ولم يخالطه.
وقال الأزهري : العرب تستعمل الإلمام في معنى الدُّنُوّ
١٩٥
والقرب، وقال جرير :(رضي الله عنه وأرْضَاهُ) : ٤٥٦٣ - بنَفْسِي مَنْ تَجَنِّيهِ عَزِيزٌ
عَلَيَّ وَمَنْ زِيَارَتُهُ لِمَامُ
وقال آخر : ٤٥٦٤ - مَتَى تَأتِنَا تَلْمُمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا
تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تَأَجَّجَا
وقال آخر : ٤٥٦٥ - لِقَاء أَخْلاَءِ الصَّفَا لِمَامُ
.......................
ومنه أيضاً لمّة الشعر لما دون الوَفْرة.
فصل قال ابن الخطيب : الكبائر إشارة لما فيها من مقدار السيئة.
والفواحش في اللغة مختصة بالقبح الخارج قبحه عن حد الخفاء وتركيب الحروف في التأليف يدل عليه، فإنك إذا قلبتها وقلت : حَشَفَ كان فيه معنى الزيادة الخارجة عن الحد، فَإن الحَشَفَ أرذلُ التَّمر، وكذلك فَشَحَ يَدُلُّ عَلَى حَالَة رَديئةٍ، يُقَال : فَشَحَت النَّاقَةُ إذَا وَقَفَتْ على هيئةٍ مخصوصةٍ للبَوْلِ فالفُحْش يلازمه القبح، ولهذا لم يقل الفواحش من الإثم، وقال في الكبائر من الإثم ؛ لأن الكبائر إن لم يميزها بالإضافة في قوله : كَبَائِر الإثم لما حصل المقصود بخلاف الفواحش.
واختلفوا في الكبائر والفواحش ؟ فقيل : الكبائر ما وعد الله عليه بالنار صريحاً
١٩٦
وظاهراً والفواحش ما أوجب عليه حدًّا في الدنيا.
وقيل : الكبائر : ما يُكَفَّرُ مستحلُّها.
وقيل : الكبائر ما لا يغفر الله لفاعله إلا بعد التوبة وهو مذهب المعتزلة.
قال ابن الخطيب : كل هذه التعريفات تعريف للشيء بما هو مثله في الخفاء أو فوقه.
وقد ذكرنا أن الكبائر هي التي مقدارها عظيم والفواحش هي التي قبحها واضح، فالكبيرة صفة عائدة إلى المقدار والفاحشة صفة عائدة إلى الكيفية.
فصل اختلفوا في معنى الآية، فقال بعضهم : ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : إنهم كانوا بالأمس يعملون معاً فأنزل الله هذه الآية.
وهذا قول زيدِ بنِ ثابت وزيدِ بن أسلم.
وقيل : هو صغار الذنوب كالنَّظرة والغَمْزَة، والقُبْلَة وما كان دون الزنا.
وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة ومسروقٍ، والشَّعْبي ورواية طاوس عن ابن عباس قال : ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - ﷺ - " إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْن النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، والنَّفْسُ تَتَمَنَّى وتَشتهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ " وفي رواية :" والأُذُنَانِ زِنَاهُما الاسْتِمَاعُ، واليَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ والرِّجْلُ زِناها الخُطَى ".
وقال الكلبي : اللمم على وجهين :[الأوّل] : كل ذنب لم يذكر الله عليه حداً في الدنيا ولا عذاباً في الآخرة فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس ما لم يبلغ الكبائرَ والفواحشَ.
والوجه الآخر : هو الذنب العظيم يلمُّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه.
وقال سعيد بن المسيب : هو ما لَمَّ على القلب أي خَطَرَ.
وقال الحُسَيْنُ بن الفضل : اللَّمَمُ النظرةُ عن غير تعمد فهو مغفورٌ، فإن أعاد النظر فليس بلَمَم بل هُو ذنبٌ.
قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾، قال ابن عباس - (رضي الله عنه) - لمن يفعل ذلك وتاب.
وههنا تَمَّ الكلام.
قوله :﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ﴾ في تعلق الآية وجوه :
١٩٧