التاسع عشر : أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن الرجل ينفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له.
العشرون : أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب على ذلك ولا سعي له، ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى فكيف يجوز أن يتناول الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة ؟ !.
والمراد بالإنسان العُمُوم.
وقال الربيع بن أنس : ليس للإنسان - يعني الكافر - وأما المؤمن فله ما سعى وما سُعي له.
وقيل : ليس للكافر من الخير إلا ما عمله يثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير.
ويروى : أن عبد الله بن أبي (ابن سلول) كان أعطى العَبَّاس قميصاً ألبسه إياه فلما مات أرسل رسول الله - ﷺ - قميصه ليكفن فيه فلم يبق له حسنةٌ في الآخرة يُثَابُ عَلَيْهَا.
وقوله :﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ أي يرى في ميزانه يوم القيامة من أَرَيْتُهُ الشيءَ أي يعرض عليه ويكشف له.
فإن قيل : العمل كيف يرى بعد وُجوده ومُضِيِّه ؟ !.
فالجواب من وجهين : أحدهما : يرى على صورة جميلة إن كان العملُ صالحاً.
الثاني : قال ابن الخطيب : وذلك على مذهبنا غير بعيد، فإن كلّ موجود يَرَى الله والله قادر على إعادة كل ما عُدِمَ فبعد الفعل فيرى.
ووجه آخر وهو أن ذلك مجاز عن الثواب كقولك :" سترى إحسانك " أي جزاءه.
وفيه نظر ؛ لقوله بعد ذلك :﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى ﴾.
قوله :" ثُمَّ يُجْزَاهُ " يجوز في الضمير وجهان : أظهرهما : أن الضمير المرفوع يعود على الإنسان والمنصوب يعود على " سَعْيهُ " والجزاء مصدر مبيِّن للنوع.
والثاني : قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسره بقوله :" الجَزَاءَ "، أو أبدله منه كقوله :﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ [الأنبياء : ٣].
قال أبو حيان : وإذا كان تفسيراً للضمير المنصوب في " يُجْزَاهُ " فعلى ماذا
٢٠٦
يَنْتَصِبُ ؟ وأما إذا كان بدلاً فهو من بدل الظاهر من المُضْمَر.
وهو مسألة خلاف.
والصحيح المنعُ.
قال شهاب الدين : العجب كيف يقول : فعلى ماذا ينتصب ؟ وانتصابه من وجهين : أظهرهما : أن يكون عطف بيان وعطف البَيَان يصدق عليه أنه مفسِّر.
وهي عبارة شائعة.
الثاني : أن ينتصب بإضمار " أعْني " وهي عبارة شائعة أيضاً يسمون مثل ذلك تفسيراً.
وقد منع أبو البقاء أن ينتصب " الجَزَاءَ الأَوْفَى " على المصدر فقال :" الجَزَاءَ الأَوْفَى " هو مفعول " يُجْزَاهُ " وليس بمصدر ؛ لأنه وصفه بالأَوْفَى وذلك من صفة المجزيّ به لا من صفة الفِعْلِ.
قال شهاب الدين : وهذا لا يبعد عن الغَلَط ؛ لأنه يلزم أن يتعدى " يُجْزَى " إلى ثلاثة مفاعيل ؛ لأن الأول قام مقام الفاعل والثاني " الهاء " التي هي ضمير السعي، والثالث " الجزاء الأوفى ".
وأيضاً فكيف ينتظم المعنى ؟ وقد يجاب عنه بأنّه أراد أنه بدل من الهاء، كما تقدَّم عن الزمخشَريِّ.
ويصح أن يقال : هو مفعول " يُجْزَاه " فلا يتعدى لثلاثة حينئذ إلا أنه بعيدٌ عن غرضِهِ.
ومثل هذا إلْغَازٌ.
٢٠٧
وأما قوله :" وَالأَوْفَى ليس من صفات الفعل " ممنوعٌ، بل هو من صفاته مجازاً، كما يوصف المجزيّ به مجازاً فإن الحقيقة كليها منتفيةٌ وإنما المتصف به حقيقة المجازى.
وقال ابن الخطيب : والجزاء يتعدى إلى مفعولين، قال تعالى :﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ [الإنسان : ١٢] ويقال جزاك الله خيراً، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف الجر، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَلَى عَمَله الجَنَّة، وقد يحذف الجار ويوصل الفعل، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَمَلَه الجَنَّة.
فصل والمُرَادُ بالجَزَاء الأوفى : الأكمل والأتمَّ أي يُجْزَى الإِنسانُ سَعْيَهُ ؛ يقال : جَزَيْتُ فلاناً سَعْيَهُ وبِسَعْيِهِ قال الشاعر : ٤٥٦٧ - إنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ
لَمْ أَجْزِهِ بِبَلاَءِ يَوْمٍ وَاحِدِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٠٠
فجمع بين اللغتين.
قال ابن الخطيب : والجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين ؛ لأن جزاء الصالح وافرٌ، قال تعالى :﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً﴾ [الإسراء : ٦٣] وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام، فهي في نفسها أوفى.
فإن قيل :" ثُمَّ " لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يُجْزَاهُ ؟ فإن تكان لتراخي الجزاء فكيف يُؤَخَّر الجزاء عن الصالح وقد قلت : إن الظاهر أن المراد منه الصالحون ؟ !.
نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت ؛ لأن الله تعالى من أوّل زمان يتوبُ الصالح يجزيه خيراً ويؤخِّر له الجزاء الأوفى وهي الجنَّة.
أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ [يونس : ٢٦] وهي الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس : ٢٦] وهي الرؤية، فكأنه تعالى قال : وأنَّ سعيه سوف يرى ثم
٢٠٨


الصفحة التالية
Icon