والسلام -.
وقال ابن إسحاق : هما عَادانِ، فالأولى أهلكت بالريح الصرصر، ثم كانت الآخرة وأهلكت بصيحة.
وقيل : عاد الأولى هي عاد بن إرَم بن عوص بن سام بن نوح وعاد الثانية من ولد عاد الأولى، والمعنى متقارب.
وقيل : إن عاداً الآخرة هم الجبَّارون.
وهم قوم هود.
قوله :﴿وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَى ﴾ قد تقدم الخلاف في " ثَمُود " بالنسبة إلى الصرف وعدمه في سورة " هود ".
وفي انتصابه هنا وجهان : أحدهما : أنه معطوف على " عَاداً ".
والثاني : أنه منصوب بالفعل المقدر أي " وَأَهْلَكَ ".
قاله أبو البقاء، وبه بدأ.
ولا يجوز أن ينتصب بـ " أَبْقَى " لأن ما بعد " ما " الثانية لا يعمل فيها قَبْلَهَا، والظاهر أنّ متعلق " أبقى " عائد على من تقدم من عادٍ وثمود أي فما أبقى عليهم - أي على عادٍ وثمود - أو يكون التقدير : فما أبقى منهم أحداً، ولا عيناً تَطْرِفُ.
ويؤيد هذا قوله :﴿فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٨].
قوله :" وَقَوْمَ نُوحٍ " كالذي قبله و " مِنْ قَبْلُ " أي من قبل عادٍ وثمودَ.
وقوله :" إنَّهُمْ " يحتمل أن يكون الضمير لقوم نوح خاصةً، وأن يكون لجميع من تقدم من الأمم الثلاثة.
قوله :" كانوا هم " يجوز في " هم " أن يكون تأكيداً، وأن يكون فصلاً.
ويضعف أن يكون بدلاً.
والمفضل عليه محذوف تقديره : من عادٍ وثمودَ على قولنا : إن الضمير لقوم نوح خاصةً، وعلى القول بأن الضمير للكل يكون التقدير : من غَيْرِهم من مُشْرِكي العَرَب، وإن قلنا : إن الضمير لقوم نوح خاصة والمعنى أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود إنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وأطْغَى لطول دعوة نوح إياهم وعُتُوِّهِمْ على الله بالمعصية والتكذيب وهم الباقون بالظلم والمتقدمون فيه ومن سن سنة سيئة فعليه وِزْرها ووزرُ من عمل بها والبادئ أظلم وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم ولا يدعو نبي على قومه إلا بَعْدَ الإصرار العظيم والظالم
٢٢١
واضع الشيء في غير موضعه، والطَّاغِي المجاوز للْحَدِّ.
فإن قيل : المراد من الآية تخويف الظالم بالهلاك، فإذا قيل : إنهم كانوا في غايةِ الظلم والطُّغْيَان فأهلكوا (ويقول الظالم : هم كانوا أظلم فأهلكوا) لمبالغتهم في الظلم ونحن ما بالغنا، فلا نهلك، فلو قال : أهلكوا لظلمهم لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله : أظلم ؟ فالجواب : أن المقصود بيان (شِدَّتِهِمْ) وقوة أجسامهم، فإنهم لم يقدموا على الظلم والطُّغْيَان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم ومع ذلك ما نجا أحدٌ منهم فما حال من هو دونهم في العمر.
رُوِيَ أن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه ينطلق به إلى قوم نوحٍ - عليه الصلاة والسلام - يقول : احذر هذا كذاب، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا، وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه.
قوله :" وَالمُؤْتَفِكَةَ " منصوب بـ " أَهْوَى " ؛ وقدم لأجل الفواصل.
والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط " أَهْوَى " أسقط، أي أهواها جبريلُ - ﷺ - بعد ما رفعها إلى السماء.
قوله :" فَغَشَّاهَا " أي ألْبَسَهَا الله " ما غشى " يعني الحجارة المصورة المسوَّمة.
وقوله " مَا غَشَّى " كقوله " مَا أَوْحَى " في الإيهام وهو المفعول الثاني إن قلنا : إن التضعيف للتعدية، وإن قلنا : إنه للمبالغة والتكثير فتكون " ما " فاعله كقوله :﴿فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه : ٧٨] والمؤتفكة المنقلبة.
وقرئ : والْمُؤْتَفِكَاتُ.
فإن قيل : إذا كان معنى " المؤتفكة " المنقلبة ومعنى " أهوى " قلبها فيكون المعنى والمنقلبة قلبها وقلب المنقلبة تحصيل حاصل.
فالجواب : أن معناه المنقلبة ما انقلبت بنفسها بل الله قَلَبَها فانْقَلَبَتْ.
قوله :" فبأي " متعلق بـ " تتمارَى " والباء ظرفية بمعنى " فِي " والآلاء النعم واحدها إلْي وإلى وأَلاً.
والمعنى فبأي نعم ربك تشك، وقرأ ابن مُحَيْصِن ويعقوب :" تَمَارَى " بالحذف كقوله :" تَذَكَّرُونَ ".
٢٢٢
فصل قيل : هذا أيضاً مما في الصحف.
وقيل : هو ابتداء لكلام، والخطاب عام، والمعنى فبأي آلاء أي نعم ربك أيها الإنسان تتمارى تشك وتجادل.
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما) : تكذب.
وقيل : هذا خطاب مع الكافر.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : خطاب مع النبي - ﷺ - ولا يقال : كيف يجوز أن يقول للنبي - ﷺ - تتمارى ؟ لأنا نقول : هو من باب :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر : ٦٥] يعني لم يبق فيه إمكان الشك حتى أنّ فارضاً لو فرض النبي - ﷺ - ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراءُ في نعم الله تعالى.
والصحيح العموم كقوله تعالى :﴿ يا أيها الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار : ٦] وقوله :﴿وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ [الكهف : ٥٤].
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٠٠