والمراد بقوله :" آيةً " هي اقتراب الساعة، فإن انشقاق القمر من آياته، وقد رأوه وكذبوا فإن يروا غيرها أيضاً يعرضون، أو آية النبوة فإنه معجزة.
أما كونه معجزةً ففي غاية الظهور، وأما كونه آية فلأن منكر خراب العالم ينكر انشقاق السماء، وانفطارها، وكل كوكب، فإذا انشق بعضها كان ذلك مخالفاً لقوله بجواز خراب العالم والمُرَاد بهؤلاء القائلين المعرضين هم الكفار.
والتنكير في قوله (آية) للتعظيم أي آية قوية أو عظيمة يُعْرِضُوا.
قال أبو حيان : ومعنى مستمر أي يشبه بعضه بعضاً أي اشتهرت أفعاله على هذا الحال.
وهذا راجع إلى الدوام المتقدم.
وأتى بهذه الجملة الشرطية تنبيهاً على أن حالهم في المستقبل كحالهم في الماضي.
وقرئ : يُرَوْا مبنيًّا للمفعول من أَرَى.
قوله :﴿وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُوا ااْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي كذبوا النبي - ﷺ - وما عاينوه من قدرة الله عزّ وجلّ، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل وكذبوا بالآية وهي انشقاق القمر، " وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ " في أنه سحر القمر، وأنه خسوف في القمر، وظهور شيء في جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر، وأنه سحر أعيننا والقمر لم يصبه شيء، فهذه أهواؤهم.
قوله :﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ العامة على كسر القاف، ورفع الراء اسم فاعل، ورفعه خبراً " لكل " الواقع مبتدأ.
وقرأ شيبة بفتح القاف وتروى عن نافع.
قال أبو حاتم : لا وجه لها، وقد وجهها غيره على حذف مضاف أي وكل أمر ذو استقرار، وزمان استقرار، أو مكان استقرار، فجاز أن يكون مصدراً، وأن يكون ظرفاً زمانياً أو مكانياً قال معناه الزمخشري.
وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي بكسر القاف وجر الراء.
وفيها أوجه :
٢٣١
أحدها - ولم يذكر الزمخشري غيره - : أن تكون صفة لأَمْر، ويرتفع " كُلّ " حينئذ بالعطف على " الساعة " فيكون فاعلاً أي اقتربت الساعة وكل أمر مستقر.
قال أبو حيان : وهذا بعيد لوجود الفصل بجمل ثلاث، وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب، نحو :" أَكَلْتُ خُبْزاً، وضَرَبْتُ خَالِداً " وأن يجيء : زيداً أكرمه ورحل إلى بني فلان ولحماً فيكون " ولحماً " معطوفاً على " خبزاً " بل لا يوجد مثله في كلام العرب.
انتهى.
قال شهاب الدين : وإذا دل دليل على المعنى فلا يبالى بالفواصل، وأين فصاحة القرآن من هذا التركيب الذي ركبه هو حتى يقيسه عليه في المنع ؟ الثاني : أن تكون " مستقراً " خبراً " لِكُلّ أَمْر ".
وهو مرفوع، إلا أنه خُفِضَ على الجِوَارِ.
قاله أبو الفضل الرازي.
وهذا لا يجوز، لأن الجِوَارَ إنما جاء في النعت أو العطف على خلاف في إتيانه كما تقدم في سورة المائدة فكيف يقال به في خبر المبتدأ ؟ هذا ما لا يجوز.
الثالث : أن خبر المبتدأ قوله :" حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ " أخبر عن ﴿كُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ بأنه حكمة بالغة ويكون قوله :﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ [القمر : ٤] جملة اعتراض بين المبتدأ أو خبره.
الرابع : أن الخبر مقدر ؛ فقدره أبو البقاء : معمول به أو أتى وقدره غيره : بالغوه ؛ لأن قبله ﴿وكذبوا واتبعوا أهواءهم﴾ أي وكل أمر مستقر، أي لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف.
وقال قتادة : وكل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير، والشر بأهل الشر.
وقيل : كل أمر من خير أو شر مستقر قراره، فالخير مستقر بأهله في الجنة والشر مستقر بأهله في النار.
وقيل : مستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعْرفوا حقيقته بالثواب والعذاب، وقال مقاتل : لكل
٢٣٢
حديث منتهى.
وقيل : ما قدر كائن لا محالة وقيل كل أمر مستقر على سنن الحق يثبت، والباطل يَزْهَقُ فيكون ذلك تهديداً لهم وتسلية للنبي - ﷺ - وهو كقوله تعالى :﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزمر : ٧].
وقيل : كل أمر مستقر في علم الله تعالى لا يخفى عليه شيء، فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم، والأنبياء صدقوا وبلغوا، كقوله تعالى :﴿لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ [غافر : ١٦] وكقوله :﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ [القمر : ٥٢ - ٥٣].
وقيل : هو جواب لقوله :" سِحْرٌ مُسْتَمِرّ " أي بل كل أمره مستقر.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٢٩