قيل : وجمع التكسير في اللغة في مثل هذا أكثر من الإفراد.
وقرأ أبيّ وعبد الله : خَاشِعَةً على تَخْشَعُ هِيَ.
وقال الزمخشري : و " خُشَّعاً " على يَخْشَعْنَ أبْصَارُهُمْ.
وهي لغة من يقول : أَكَلُوني البراغيثُ وهي طيئ.
قال أبو حيان : ولا يجري جمع التكسير مَجْرى جمع السلامة فيكون على تلك اللغة النادرة القليلة.
وقد نص سيبويه على أن جمع التكسير أكثر في كلام العرب فكيف يكون أكثر ويكون على تلك اللغة القليلة ؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإفْراد مذكراً
٢٣٨
ومؤنثاً وجمع التكسير، قال : لأن الصِّفة متى تقدمت على الجماعة جاز فيها ذلك، والجمع موافق للفظها فكان أشْبَه.
قال أبو حيان : وإنما يخرج على تلك اللغة إذا كان الجمعُ جمعَ سلامة نحو : مَرَرْتُ بقَوْمٍ كريمين آباؤهم والزمخشري قاس جمع التكسير على جمع السلامة وهو قياس فاسد يرده النقل عن العرب أن جمع التكسير أجود من الإفراد كما ذكره سيبويه ودل عليه كلام الفراء.
قال شهاب الدين : وقد خرج الناس قول امرئ القيس : ٤٥٨٧ - وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَى مَطِيِّهِمْ
يَقُولُون : لاَ تَهْلَكْ أَسًى وَتَجمَّلِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٣٥
على أن صحبي فاعل بـ " وُقُوفاً " وهو جمع " واقف " في أحد القولين في " وُقُوفاً ".
وفي انتصاب " خاشعاً وخشعاً وخاشعة " أوجهٌ : أحدها : أنه مفعول به وناصبه (يَدْعُ الدَّاعِ).
وهو في الحقيقة (صفة) لموصوف محذوف تقديره فَرِيقاً خَاشِعاً أو فَوْجاً خَاشِعاً.
والثاني : أنه حال من فاعل (يَخْرُجُونَ) المتأخر عنه، ولما كان العامل متصرفاً جاز تقدم الحال عليه، وهو رد على الجَرْمي، حيث زعم أنه لا يجوز، ورد عليه أيضاً بقول العرب :(شَتَّى تَؤُوبُ الحَلْبةُ) " فشتى " حال من الحَلْبة، وقال الشاعر : ٤٥٨٨ - سَرِيعاً يَهُونُ الصَّعْبُ عِنْدَ أُولِي النُّهَى
إذَا بِرَجَاءٍ صَادِقٍ قَابَلُوا الْبَأسَا
٢٣٩
الثالث : أنه حال من الضمير في (عَنْهُمْ).
ولم يذكر مَكّيّ غيره.
الرابع : أنه حال من مفعول (يَدْعُو) المحذوف تقديره : يَوْمَ يَدْعُوهمُ الدَّاعي خُشَّعاً ؛ فالعامل فيها (يدعو).
قاله أبو البقاء.
وارتفع أبصارهم على وجهين : أظهرهما : الفاعلية بالصفة قبله.
الثاني : على البدل من الضمير المستتر في (خُشَّعاً) ؛ لأن التقدير خُشَّعاً هُمْ، وهذا إنما يأتي على قراءة خشعاً فقط.
وقرئ خُشَّعٌ أَبْصَارَهُمْ على أن " خشعاً " خبر مقدم، و " أبصارهم " مبتدأ، والجملة في محل نصب على الحال وفيه الخلاف المذكور من قبل كقوله : ٤٥٨٩ -......................
وَجَدْتُهُ حَاضِرَاه الجُودُ وَالْكَرَمُ
فصل قال ابن الخطيب، لما حكى نصب " خاشعاً "، قال : إنه منصوب على أنه مفعول بقوله :" يَدْعُو " أي يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي خُشَّعاً.
فإن قيل : هذا فاسد من وجوه : أحدها : أن الشخص لا فائدة فيه ؛ لأن الداعي يدعو كل أحدٍ.
ثانيها : قوله :﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ﴾ بعد الدعاء فيكونون خشعاً قبل الخروج وهو باطل.
ثالثهما : قراءة خاشعة تبطل هذا! نقول : أما الجواب عن الأول فإن قوله :﴿إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾ يدفع ذلك، لأن كل أحد لا يدعى إلى شيء نكر، وعن الثاني المراد من الشيء النكر الحساب العسير يوم يدع الداعي إلى الحساب العسير خشعاً ولا يكون العامل في (يوم) يدعو " يَخْرُجُونَ " بل " اذكروا " و ﴿فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ﴾ [القمر : ٥] كقوله تعالى :﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر : ٤٨]
٢٤٠


الصفحة التالية
Icon