قوله :(تَنْزِعُ النَّاسَ) في موضع نصب إما نعتاً لـ " رِيحاً " وإما حالاً منها لتخصصها بالصفة ؛ ويجوز أن تكون مستأنفة.
وقال :" الناس " ليعم ذَكَرَهُمْ وأنثاهم، فأوقع الظاهر موقع المضمر لذلك فالأصل تَنْزِعُهُمْ.
فصل قال تعالى هنا :﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ وقال في السجدة :" فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ " وقال في الحاقة :﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ [الحاقة : ٧].
والمراد من اليوم هنا الوقت والزمان كما في قوله :﴿يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ [مريم : ٣٣].
وقوله " مُسْتَمِرّ " يفيد ما يفيده الأيام ؛ لأن الاستمرار ينبئ عن امتداد الزمان كما تنبئ عَنْهُ الأيام.
والحكاية هنا مذكورة على سبيل الاختصار فذكر الزمان ولم يذكر مقداره على سبيل الإيجاز.
قوله :" كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ " حال من الناس مقدرةً، و " مُنْقَعِرٍ " صفة للنَّخل باعتبار الجنس، ولو أنث لاعتبر معنى الجماعة كقوله :﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٧].
وقد مضى تحقيق اللغتين فيه.
وإنما ذكر هنا وأنث في الحاقة مراعاةً للفواصل في الموضعين.
وقرأ أبو نُهَيْكٍ :" أَعْجُزُ " على وزن أفْعُلٍ نحو : ضَبُع وأَضْبُع.
وقيل : الكاف في موضع نصب بفعل مقدر تقديره : تَتْرُكُهْم كَأَنَّهم أَعْجَازٌ.
قاله مَكِّي.
ولو جعل مفعولاً ثانياً على التضمين أي تصيرهم بالنزع كأنهم لَكَان أقرب.
والأعجاز جمع عَجُز وهو مؤخر الشيء، ومنه العَجْز، لأنه يؤدي إلى تأخر الأمور.
والمُنْقَعِرُ : المنقلع من أصله (يقال) قَعَرْتُ النَّخْلَةَ قَلَعْتُهَا من أصلها فانْقَعَرَتْ.
٢٥٦
وقَعَرْتُ البئْرَ : وَصلتُ إِلى قَعْرِهَا وقَعَرْتُ الإِناء شَرِبْتُ ما فيه حتى وصلت إِلى قَعْرِهِ، وَقْعَرْتُ البِئْرَ أي جَعَلْتُ له قَعْراً.
فصل تنزع الناس تَقْلَعُهُمْ ثُمَّ تَرْمِي بهم على رؤوسهم فتدق رِقَابَهُمْ.
وروي : أنها كانت تنزع الناس من قبورهم كأنهم أعجاز نخل.
قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أصولها.
وقال الضحاك : أوراك نخل منقعر منقلع من مكانه ساقطٍ على الأرض وقال : أعجاز نخل وهي أصولها التي قلعت فروعها، لأن الكفّار تبين رؤوسهم من أجسادهم فتبقى أجسادهم بلا رؤوس.
قال ابن الخطيب : تَنْزِعُهُمْ بعُنْف كأنهم أعجاز نخل منقعر فينقعروا.
وهذا إشارة إلى قوتهم وثباتهم على الأرض، ويكون ذلك إشارةً إلى عظم أجسادهم أو إلى ثباتهم في الأرض فكأنهم كانوا يجعلون أرجُلهمْ في الأرض ويقصدون المنع به على الرِّيح.
قال ابن إسحاق : لما هاجت الريح قام سبعة نَفَر من عاد من أقواهُم وأحْسَمِهمْ منهم عمرو بنُ الحُلِيّ، والحارث بن شدّاد والهِلْقَامُ وابنا تِقْن وخَلْجَانُ بن سعد فألجأوا العِيَالَ في شِعْب بينٍ جَبَلَيْن ثم اصطفّوا على جانبي الشِّعْب ليردُّوا الريح عمن في الشِّعْب من العِيال فجعلت الريح تَجْعفُهُمْ رجلاً بعد رجلٍ، فقالت امرأة عاد : ٤٥٩٩ - ذَهَبَ الدَّهْرُ بِعَمْرِو بْـ
ـنِ حُلِيٍّ والهَنِيَّاتِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٥٣
ثُمَّ بالحَارِثِ والهِلْـ
ـلقَام طلاَّعِ الثَّنِيَّاتِ
والَّذِي سَدَّ مَهَبَّ الرْ
ـرِيحِ أَيَّامَ البَلِيَّاتِ
أو يكون إشارة إلى يُبْسِهِمْ وجفافهم بالريح، فهي كانت تقتلهم وتحرقهم ببردها المفرط فيقعون كأنهم أخشاب يابسة.
فصل (قال) المفسرون : ذكر النخل هنا، وقال :" منقعر " وأنثه في الحاقّة، وقال : أعجاز
٢٥٧