(يقال) : عَصَفَتِ الرِّيحُ أي اشتدت فهي ريحٌ عَاصِفٌ وعَصُوفٌ.
وقال الفرزدق : ٤٦٠٩ - مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الشَّأْمِ تَضْرِبُنَا
بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
قوله :﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ﴾ فيه وجهان :
٢٦٩
أحدهما : أنه متصل ويكون المعنى : أنه أرسل الحاصب على الجميع إلا أهله، فإنه لم يرسلْ عليهم.
والثاني : أنه منقطع.
قال شهاب الدين : ولا أدري ما وَجْهُهُ ؛ فإن الانقطاع وعدمه عبارة عن عدم دخول المستثنى في المستثنى منه، وهذا داخلٌ ليس إلاَّ.
وقال أبو البقاء : هو استثناء منقطع.
وقيل : متصل ؛ لأن الجميع أرسل عليهم الحاصب فهَلَكُوا إلا آلَ لوط.
وعلى الوجه الأول يكون الحاصب لم يرسل على آل لوط.
انتهى.
وهو كلام مُشْكِلٌ.
فصل قال ابن الخطيب : الحاصب رامي الحَصْبَاء، وهي الحجارة ؛ كقوله :﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر : ٧٤] وقول الملائكة :﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ﴾ [الذاريات : ٣٣] مع أنَّ المرسلَ عليهم ليس بحاصب فيحتمل أن يكون المعنى : لنرسل عليهم ريحاً حاصباً بالحجارة.
ويجوز تذكير الرِّيح ؛ لأن تأنيثها غير حقيقي.
ويحتمل أن يكون المراد عذاب حاصب لأن (أَرْسَلْنَا) يدل على مُرسلِ وهو مرسل الحجارة وحاصبها، وأفرد للجنس.
وقوله :" إنَّا أَرْسَلْنَا " كأنه جواب من قال : كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُمْ ؟ والاستثناء في كَذَّبُوا، لكن قد يكون أهله قليلاً فعمهم ظاهر اللفظ فبين بالاستثناء خروجهم لأن المقصودَ بيانُ هلاكهم ومن نجا أو يكون الاستثناء من كلام مدلول عليه أي فما أنجينا من الحاصب إلا آل لوط، ويكون الإرسال عليهم والإهلاك عامًّا، فكأن الحاصب أهلك من كان الإرسال عليه مقصوداً وغيرهم، كالأطفال والدَّوَابِّ.
والمراد بآل لوط : من تبع على دينه إلا بِنْتَاهُ.
قوله :" نَجَّيْنَاهُمْ " تفسير وجواب لقائل يقول : فَمَا كان من شأن آلِ لوط ؟ كقوله تعالى :﴿أَبَى ﴾ [البقرة : ٣٤] بعد قوله :" إلاَّ إبْلِيسَ ".
وقد تقدم في البقرة.
قوله :" بِسَحَرٍ " الباء حالية أو ظرفية، وانصرف " سَحَرٌ " لأنه نكرة، ولو قصد به
٢٧٠
وقتٌ بعينه لمنع (مِنَ) الصَّرف للتعريف والعدل عن أل هذا هو المشهور.
وزعم صَدْرُ الاَفَاضِلِ أنه مبني على الفتح كَأَمْسِ مبنياً على الكسر.
و " نِعْمَةً " إما مفعولٌ له، وإما مصدرٌ بفِعلٍ من لفظهما أو من معنى " نَجَّيْنَاهُمْ " ؛ لأن تنجيتهم إنعام، فالتأويل إما في العامل وإما في المصدر.
و " مِنْ عِنْدِنَا " إما متعلق بنعْمةٍ، وإما بمحذوفٍ صفةً لها.
والكاف في " كَذَلِكَ " نعت مصدر محذوف أي مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ نَجْزِي.

فصل قال الأخفش : إنّما جُرَّ سَحَر، لأنه نكرة، ولو أراد يوماً بعينه لم يَجُرَّه.


وكذا قال الزجاج : سحرٌ إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يصرف، نقول : سَحرُنَا هذا، وأتيته بسَحَرٍ، والسَّحَرُ هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل بِبَيَاضِ النهار ؛ لأن في هذا الوقت تكون مخاييل الليل ومخاييل النهار.
﴿نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ إنعاماً على لوط وابْنَتَيْهِ.
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾، أي كما جازينا لوطاً وأهله بالإنجاء، فكذلك نجزي من شكر أي آمن بالله وأطاعه.
قال المفسرون : هو وعد لأمة محمد - عليه الصلاة والسلام - بأنه يصونهم عن الهلاك العام.
قال ابن الخطيب : ويمكن أن يقال : هو وعد لهؤلاء بالثواب يوم القيامة، كما أنجاكم في الدنيا من العذاب ؛ لقوله تعالى :﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران : ١٤٥].
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا﴾ هي العذاب الذي أصابهم، أو هي عذاب الآخرة، لقوله :﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ [الدخان : ١٦]، وقوله :" فَتَمَارَوا بِالنُّذُرِ "
٢٧١


الصفحة التالية
Icon