و " سَقَرُ " متحتِّم المنع من الصرف ؛ لأن حركة الوسط تنزلت منزلة الحرف الرابع، كعَقْرَبَ وزَيْنَبَ.
قال القرطبي : و " سقر " اسم من أسماء جهنم مؤنث لا ينصرف، لأنه اسم مؤنث معرفة وكذلك " لظى وجهنم ".
وقال عطاء :" سقر " الطابق السادس من النار.
وقال قطرب : ويَوْمٌ مُسْمَقِرٌّ ومُصْمَقِرٌّ : شديد الحر.
ومسها ما يوجد من الألم عند الوقوع فيها.
فصل العامل في (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) يحتمل أن يكون منصوباً بعامل مفهوم غير مذكور.
وهذا العالم يحتمل أن يكون سابقاً وهو قوله :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ﴾.
والعامل في الحقيقة على هذا الوجه أيضاً مفهوم من (فِي) كأنه فيه بمعنى كائن غير أن ذلك صار نَسْياً مَنْسيًّا.
ويحتمل أن يكون متأخراً وهو قوله :" ذُوقُوا " تقديره :" ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ يَوْمَ يُسْحَبُ المُجْرِمُونَ ".
والخطاب حينئذ مع من خوطب بقوله :﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم﴾ [القمر : ٤٣].
ويحتمل أن يكون منصوباً بالقول المقدر أي يُقَالُ لهم يَوْمَ يُسْحَبُونَ ذُوقوا.
وهو المشهور.
٢٨٠
والذوق استعارة للمبالغة لقوة الإدراك في الذَّوْقِ ؛ فإن الإنسان يشارك غيره في اللَّمْس، ويُخْتَصُّ بإدراك المطعوم فيحصل الألم العظيم، والمعنى ذوقوا أيها المُكَذِّبُونَ بمحمد ﷺ - مَسَّ سَقَر يَوْم يُسحب المجرمون المتقدمون في النار.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٧٨
قوله :﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ﴾ العامة على نصب " كل " على الاشتغال.
وأبو السَّمَّالِ بالرفع وقد رجح الناس - بل بعضُهُمْ أَوْجَبَ - النَّصَب، قال : لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السنة، وذلك أنه إذا رفع :" كل شيء " كان مبتدأ، و " خلقناه " صفة لـ " كُلّ " أو " شَيْء " و " بِقَدَرٍ " خبره.
وحيئنذ يكون له مفهومٌ لا يخفى على مُتَأَمِّلِهِ، فيلزم أن يكون الشيء الذي ليس مخلوقاً لله تعالى لا بقدر كذا قدره بعضهم.
وقال أبو البقاء : وإنما كان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق، والرفع لا يدل على عمومية بل يفيد أن كل شيء مخلوق فهو بقدر.
وقال مكي بن أبي طالب : كان الاختيار على أصول البصريين رفع " كُلّ " كما أن الاختيار عندهم في قولك :" زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ " الرفع والاختيار عند الكوفيين النصب فيه بخلاف قولنا : زَيْد أَكْرَمْتُهُ، لأنه قد تقدم في الآية شيء عمل فيما بعده وهو " إنَّ ".
والاختيار عندهم النصب فيه.
وقد أجمع القراء على النصب في (كُلَّ) على
٢٨١
الاختيار فيه عند الكوفيين ليدل ذلك على عموم الأشياء المخلوقات أنها لله تعالى بخلاف ما قاله أهلُ الزَّيْغِ من أن ثَمَّ مخلوقاتٍ لغير الله تعالى.
وإنما دل النصب في " كل " على العموم، لأن التقدير : إنّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر " فخلقناه " تأكيد وتفسير " لخَلَقْنَا " المضمر الناصب لـ " كُلَّ شَيْءٍ " فهذا لفظ عام يَعُمُّ جميع المخلوقات.
ولا يجوز أن يكون " خَلَقْنَاهُ " صفة لـ " شَيْءٍ " ؛ لأن الصفة والصلة لا يعملان قبل فيما قبل الموصوف ولا الموصول، ولا يكونان تفسيراً لما يعمل فيما قبلهُما، فإذا لم يبق " خَلَقْنَاهُ " صفة لم يبق إلا أنَّه تأكيدٌ وتفسيرٌ للمضمر الناصب وذلك يدل على العموم.
وأيضاً فإن النصب هو الاختيار ؛ (لأن " إنَّا " عندهم تطلب الفعل، فهُو أولى به فالنصب عندهم في " كل " هو الاختيار) فإذا انضاف إليه معنى العموم والخروج عن الشبه كان النصب أولى من الرفع.
وقال ابن عطيه وقومٌ من أهل السنة : بالرفع.
قال أبو الفتح : هو الوجهُ في العربية وقراءتنا بالنصب مع الجماعة.
وقال الزمخشري : كل شيء منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.
وقرئ : كُلُّ شَيْءٍ بالرفع.
والقَدَرُ والقَدْرُ : التقديرُ.
وقرئ بهما أي خَلَقْنَا كل شيء مقدَّراً محكماً مرتباً على حَسْب ما اقتضته الحكمة أو مقدراً مكتوباً في اللوح المحفوظ معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه انتهى.
وهو هنا يتعصب للمعتزلة لضعْف وجه الرفع.
وقال قومٌ : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف، وأن ما بعده يَصْلُحُ للخبر وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر اختار النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف.
ومنه هذا الموضع، لأن قراءة الرفع تخيل أن النصب وصف وأن الخبر :" بَقَدَرٍ ".
٢٨٢