إنه الميزان الذي يوزن به، قال : طغيانه النّجس.
قال ابن عباس : لا تخونوا من وزنتم له.
وعنه أيضاً أنه قال : يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان.
ومن قال : إنه طغيان الحكم، قال : طغيانه التحريف.
وقيل : فيه إضمار، أي : وضع الميزان وأمركم ألا تطغوا فيه.
فإن قيل : العلم لا شك في كونه نعمة، وأما الميزان فأي نعمة عظيمة فيه حتى يعد بسببها في الآلاء ؟.
فالجواب : أن النفوس تأبى الغَبْنَ، ولا يرضى أحد بأن يغلبه غيره، ولو في الشيء اليسير، ويرى أن ذلك استهانة به، فلا يترك خَصْمه يغلبه، ثم إن عند عدم المعيار الذي به تُؤخذ الحقوق، كل أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه، فوضع الله - تعالى - معياراً بين به التَّساوي، ولا يقع به البغضاء بين الناس، وهو الميزان، فهو نعمة كاملة، ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته وكثرته، وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء الذي لا يبين فضلهما إلاَّ عند فقدهما.
قوله :﴿وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾.
أي : افعلوه مستقيماً بالعدل.
وقال أبو الدرداء : أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل.
وقال ابن عيينة : الإقامة باليد، والقسط بالقلب.
وقال مجاهد : القسط : العدل بالرومية.
وقيل : هو كقولك : أقام الصلاة، أي : أتى بها في وقتها، وأقام الناس أسواقهم، أي : أتوا بها لوقتها، أي : لا تدعوا التعامل بالوزن والعدل.
قوله :" ولا تُخْسِرُوا ".
العامة على ضم التاء وكسر السين، من " أخْسَرَ " أي : نقص، كقوله :﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين : ٣].
وقرأ زيد بن علي، وبلال بن أبي بردة : بفتح التاء وكسر السين، فيكون " فَعِل،
٣٠٢
وأفْعَل " بمعنى، يقال : خَسِر الميزان، وأخْسَره " بمعنى واحد، نحو : جَبِر وأجْبر ".
ونقل أبو الفتح وأبو الفضل عن بلال : فتح التاء والسين، ونقلها أيضاً القرطبي عن أبان بن عثمان، قال : وهما لغتان، يقال : أخسرت الميزان، وخسرته، كـ " أجبرته " و " جبرته ".
قال شهاب الدين : وفيها وجهان : أحدهما : أنه على حذف حر الجر، تقديره :" ولا تخسروا في الميزان "، ذكره الزمخشري وأبو البقاء، إلا أن أبا حيان قال : لا حاجة إلى ذلك ؛ لأن " خَسِر " جاء متعدياً، قال تعالى :﴿خَسِرُوا ااْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الأنعام : ١٢] و ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآُخِرَةَ﴾ [الحج : ١١].
قال شهاب الدين :" وهذا أليق من ذاك، ألا ترى أن " خسروا أنفسهم " و " خسر الدنيا والآخرة " معناه : أن الخسران واقع بهما، وأنهما معدومان، وهذا المعنى ليس مراداً في الآية قطعاً، وإنما المراد : لا تخسروا الموزُون في الميزان ".
وقرئ :" تَخْسُروا " بفتح التاء وضم السين.
قال الزمخشري :" وقرئ :" ولا تَخْسروا " بفتح التاء وضم السين وكسرها وفتحها، يقال : خَسِر الميزان يَخْسُره ويَخْسِره، وأما الفتح فعلى أن الأصل :" في الميزان " فحذف الجار، وأوصل الفعل إليه ".
وكرر لفظ " الميزان " ولم يضمره في الجملتين بعده تقوية لشأنه.
وهذا كقول الآخر :[الخفيف] ٤٦٢٣ - لا أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ
نَغَّصَ المَوْتُ ذَا الغِنَى والفَقِيرَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٩١
فصل في معنى الآية المعنى : ولا تنقصوا ولا تبخسوا الوزن والكيل، كقوله :﴿وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ [هود : ٨٤].
٣٠٣


الصفحة التالية
Icon