قال سعيد بن جبير : يلتقيان في كل عام.
وقيل : يلتقي طرفاهما.
وقال الحسن وقتادة : بحر " فارس " و " الروم ".
وقال ابن جريج : البحر المالح، والأنهار العذبة.
وقيل : بحر المشرق، وبحر المغرب يلتقي طرفاهما.
وقيل : بحر اللؤلؤ والمرجان.
" بينهما برزخ " حاجز.
قوله :" يلتقيان " حال من " البَحريْنِ " وهي قريبة من الحال المقدرة، ويجوز بتجوّز أن تكون مقارنة.
و " بَينهُمَا بَرزخٌ " يجوز أن تكون جملة مستأنفة، وأن تكون حالاً، وأن يكون الظَّرف وحده هو الحال، و " البَرْزَخُ " فاعل به، وهو أحسن لقربه من المفرد.
وفي صاحب الحال وجهان : أحدهما : هو البحرين.
والثاني : هو فاعل " يَلْتقيان ".
و " لا يَبْغِيَان " حال أخرى كالتي قبلها، أي : مرجهُمَا غير باغيين أو يلتقيان غير باغِيين، أو بينهما برزخٌ في حال عدم بغيهما، وهذه الحال في قوة التعليل، إذ المعنى :" لئلاَّ يَبْغِيانِ ".
وقد تمحّل بعضهم، وقال : أصل ذلك لئلا يبغيا ثم حذف حرف العلة، وهو مطّرد مع " أن " و " إن "، ثم حذفت " أن " أيضاً، وهو حذف مطرد، كقوله :﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ﴾ [الروم : ٢٤]، فلما حذفت " أن " ارتفع الفعل، وهذا غير ممنوع، إلا أنه تكرر فيه الحذف.
وله أن يقول : قد جاء الحذف أكثر من ذلك فيما هو أخفى من هذا، كما سيأتي في قوله :﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ [الواقعة : ٨٢].
فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها لما ذكر الشمس والقمر، وهما يجريان في الفلك كما يجري الفلك في البحر،
٣١٦
كقوله :﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء : ٣٣]، فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين، أو لأن المشرقين والمغربين يكونان في البر والبحر، فذكر البحر بعد ذكر البر ؛ لانحصار البر والبحر بين المشرق والغرب.
قوله :" بينهما بَرْزَخ " أي : حاجز، " لا يبْغِيَان "، فعلى القول الأول بأنهما بحر السماء، وبحر الأرض، فالحاجز الذي بينهما هو ما بين السماء والأرض.
قاله الضحاك.
وعلى الأقوال الباقية : الحاجز : هو الأرض التي بينهما.
قاله الحسن وقتادة.
وقال بعضهم : الحاجز : هو القدرة الإلهية.
وقوله :" لا يَبْغِيَان ".
قال قتادة : لا يبغيان على النَّاس فيغرقانهم، جعل بينهم وبين الناس اليبس.
وقال مجاهد وقتادة أيضاً : لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه.
وقال ابن زيد :" لا يبغيان " أي يلتقيان، تقديره : مرج البحرين يلتقيان لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا.
وقيل : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة، أي : بينهما مدة قدرها الله تعالى، وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان، فإذا أذنَ الله بانقضاء الدنيا صار البحران شيئاً واحداً، وهو كقوله تعالى :﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار : ٣].
وقال سهل بن عبد الله : طريق الخير والشر، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة.
فصل في إحاطة البحار بالأرض قال ابن الخطيب : إن الله - تعالى - خلق في الأرض بحاراً تحيط بها الأرض، وخلق بحراً محيطاً بالأرض أحاط به الهواء، كما قال به أهل الهيئةِ، وهذه البحار التي في الأرض لها اتصال بالبحر المحيط، ثم إنهما لا يبغيان على الأرض، ولا يغطيانها بفضل الله لتكون الأرض بارزة يتخذها الإنسان مكاناً، وعند النظر إلى أمر الأرض يحار الطبيعي ويتلجلج في الكلام، فإن عندهم أن طبع الأرض يكون في المركز مغموراً بالماء، ويكون الماء محيطاً بجميع جوانبه، فإذا سئلوا عن ظهور الأرض من الماء قالوا : جذب في الأرض.
فإذا قيل لهم : لماذا تجذب ؟ وما سبب الجذب ؟.
٣١٧
فالذي عنده قليل من الحق أسند ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته، والآخر يقول : ذلك بحسب اتصالات الكواكب وأوضاعها.
فإن قيل له : لماذا اختلفت أوضاع الكواكب على الوجه الذي أوجب البرد في بعض الأرض دون بعض ؟ بهت كما بهت الذي كفر، ويرجع إلى الحق إن هداه الله تعالى.
وقال ابن الخطيب : ومعنى الآية أن الله - تعالى - أرسل بعض البحرين إلى بعض، ومن شأنهما الاختلاط فحجزهما ببرزخ من قدرته، فهما لا يبغيان، أي : لا يجاوز كل واحدٍ منهما ما حد له.
و " البَغْي " : مجاوزة الحد، أو من الابتغاء وهو الطَّلب، أي : لا يطلبان غير ما قدر لهما.
قوله :﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ قرأ نافع، وأبو عمرو :" يُخْرَجُ " مبنيًّا للمفعول، والباقون : مبنيًّا للفاعل على المجاز.
قالوا : ثم مضاف محذوف، أي " من أحدهما " ؛ لأن ذلك لم يؤخذ من البحر العذب حتى عابُوا قول الشاعر :[الطويل] ٤٦٣٦ - فَجَاءَ بِهَا ما شِئْتَ مِنْ لطَمِيَّةٍ
على وجْهِهَا مَاءُ الفُراتِ يَمُوجُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣١٣