قال مكي :" كما قال :﴿عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ﴾ [الزخرف : ٣١]، أي : من إحدى القريتين، فحذف المضاف كثير شائع ".
وقيل : هو كقوله :﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف : ٦١] وإنما الناسي فتاه، ويعزى هذا لأبي عبيدة.
قال البغوي : وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئين، ثم يخص أحدهما بفعل، كقوله :﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ﴾ [الأنعام : ١٣٠]، ثم كانت الرسل من الإنس.
وقيل : يخرج من أحدهما اللؤلؤ، ومن الآخر المرجان.
وقيل : بل يخرجان منهما جميعاً.
ثم ذكروا أقاويل.
٣١٨
منها : أنهما يخرجان من المِلْح في المواضع الذي يقع فيه العذب، وهذا مشاهد عند الغواصين، وهو قول الجمهور، فناسب ذلك إسناده إليهما.
ومنها : قول ابن عباس رضي الله عنهما : تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، والصدف تفتح أفواهها للمطر، وقد شاهده الناس، فيكون تولده من بحر السماء، وبحر الأرض.
وهذا قول الطبري.
ومنها : أن العذب في الملح كاللقاح، كما يقال : الولد يخرج من الذَّكر والأنثى.
ومنها : أنه قيل : منهما من حيثُ هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما، كما قال تعالى :﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً﴾ [نوح : ١٦] وإنما هو في واحدةٍ منهن.
وقال الزمخشري :" فإن قلت : لم قال :" منهما "، وإنما يخرجان من الملح ؟ قلت : لما التقيا، وصارا كالشيء الواحد، جاز أن يقال : يخرجان منهما كما يقال : يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميع البحر، وإنما يخرجان من بعضه، وتقول : خرجت من البلد، وإنما خرجت من محلَّةٍ واحدة من محاله، بل من دارٍ واحدة من دُورهِ، وقيل : لا يخرجان إلاَّ من ملتقى الملح والعذب ".
انتهى.
وقال بعضهم : كلام الله أولى بالاعتبار من كلام بعض النَّاسِ، فمن الجائز أن يسوقها من البحر العذب إلى الملح، واتفقُوا أنهم لم يخرجوها إلا من الملح، وإذا كان في البر أشياء تخفى على التُّجَّار المترددين القاطعين المفاوز، فكيف بما هو في قَعْرِ البحر ؟.
فالجواب عن هذا : أن الله لا يخاطب الناس، ولا يمنن عليهم إلا بما يألفون، ويشاهدون.
و " اللؤلؤ " : قيل : كِبارُ الجوهر، والمرجان : صغاره.
قاله علي، وابن عباس، والضحاك رضي الله عنهم.
وقيل بالعكس، وأنشدوا قول الأعشى رحمه الله :[البسيط]
٣١٩
٤٦٣٥ - مِنْ كُلِّ مَرْجَانةٍ فِي البَحْرِ أحْرَزَهَا
تيَّارُهَا ووقَاهَا طينهَا الصَّدَفُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣١٣
أراد اللؤلؤة الكبيرة.
قاله علي، وابن عباس أيضاً.
وقيل :" المرجان " : حجر أحمر.
وقيل : حجر شديد البياض، والمرجان أعجمي.
قال ابن دريد : لم أسمع فيه كلاماً منصرفاً.
و " اللؤلؤ "، بناء غريب لم يرد على هذه الصيغة إلا خمسة ألفاظ : اللؤلؤ، و " الجُؤجؤ " وهو الصَّدر، و " الدُّردؤ "، و " اليُؤيُؤ " - لطائر - و " البُؤبؤ " - بالموحدتين - وهو الأصل، و " اللُّؤلُؤ " - بضمتين - والهمز هو المشهور.
وإبدال الهمزة واواً شائع فصيح وقد تقدم ذلك.
وقرأ طلحة :" اللُّؤلِئ " - بكسر اللام الثالثة - وهي لغة محفوظة، ونقل عنه أبو الفضل :" اللُّولِي " بقلب الهمزة الأخيرة ياء ساكنة، كأنه لما كسر ما قبل الهمزة قلبها ياء استثقالاً.
وقرأ أبو عمرو في رواية :" يُخْرِجُ " أي : الله تعالى، وروي عنه، وعن ابن مقسم :" نُخْرِج " بنون العظمةِ.
و " اللؤلؤ والمرجان " على هاتين القراءتين منصوبان.
فصل في مناسبة نعمة اللؤلؤ والمرجان للنعم السابقة قال ابن الخطيب : فإن قيل : أي نعمة عظيمة في " اللُّولؤ والمرجان " حتى ذكرهما مع نعمة تعليم القرآن وخلق الإنسان ؟.
وأجاب بأن النعم منها خلق الضَّروريات كالأرض التي له مكاناً، وكذا الرزق الذي به بقاؤه.
ومنها ما يحتاج إليه، وإن لم يكن ضروريًّا كالحيوان، وإجراء الشمس والقمر.
ومنها المنافع وإن لم يكن محتاجاً إليها كالفاكهة، وخلق البحار، كقوله تعالى :﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ﴾ [البقرة : ١٦٤].
٣٢٠


الصفحة التالية
Icon