وقرأ الحسن :" جأن " بالهمزة.
فصل في أن الجن يجامعون ويدخلون الجنة كالإنس دلّت هذه الآية على أن الجن تغشى كالإنس، وتدخل الجنة، ويكون لهم فيها جنيّات.
قال ضَمْرَة : للمؤمنين منهم أزواج من الحُور، فالإنسيَّات للإنس، والجنّيات للجن.
وقيل : معناه : لم يطمث ما وهب الله للمؤمنين من الجنّ في الجنَّة من الحور العين من الإنسيّات إنس، وذلك لأن الجن لا تطأ بنات آدم في الدنيا.
ذكره القشيري.
قال القرطبي : قد مضى القول في سورة " النمل " وفي " سبحان " وأنه جائز أن تطأ بنات بني آدم.
وقد قال مجاهد : إنه إذا جامع الرجل، ولم يسم انطوى الجانّ على إحليله فجامع معه، فذلك قوله :﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ﴾ يعلمك أن نساء الدنيا لم يطمثهن الجان.
والحور العين قد برئن من ذلك العيب.
قال مقاتل قوله :﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾ ؛ لأنهن خلقن في الجنة، فعلى قوله يكونون من حور الجنة.
وقال الشعبي : من نساء الدنيا لم يَمْسَسْهن منذ أنشئن خلقٌ، وهو قول الكلبي، أي لم يجامعهن في الخلق الذي فيه إنس ولا جان.
قوله تعالى :﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾.
هذه الجملة يجوز أن تكون نعتاً لـ " قَاصِرَات "، وأن تكون حالاً منها.
ولم يذكر مكي غيره.
و " الياقُوت " : جوهر نفيس، يقال : إن النار لم تؤثر فيه.
ولذلك قال الحريري :[البسيط] ٤٦٦٠ - وطَالَمَا أصلي اليَاقوتُ جَمْر غَضَى
ثُمَّ انْطفَى الجَمْرُ والياقوتُ يَاقوتُ
٣٥٢
أي حاله لم يؤثر بها، وجه التشبيه كما قال الحسن في صفاء الياقوت، وبياض المرجان، وهذا على القول بأنه أبيض.
وقيل : الوجه في الصفة بهما لنفاستهما لا للونهما، ولذلك سموا بمرجانة ودُرَّة وشبه ذلك.
قوله تعالى :﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾.
قرأ ابن أبي إسحاق :" إلا الحسان " أي : الحور الحسان.
قال القرطبي : هَلْ في الكلام على أربعة أوجه : تكون بمعنى " قد "، كقوله تعالى :﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ﴾ [الإنسان : ١]، ﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ [طه : ٩]، وبمعنى الاستفهام كقوله :﴿فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً﴾ [الأعراف : ٤٤].
وبمعنى الأمر كقوله تعالى :﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة : ٩١].
وبمعنى " ما " في الجَحْد كقوله تعالى :﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل : ٣٥]، و ﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾.
قال ابن الخطيب : في هذه الآية وجوهٌ كثيرة حتى قيل : إنَّ في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول : أحدها : قوله تعالى :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة : ١٥٢].
ثانيها :﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء : ٨].
ثالثها :﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾ والمشهور منها أقوال : أحدها : قال عكرمة : أي : هل جزاء من قال : لا إله إلاَّ الله، وعمل بما جاء به محمد ﷺ إلا الجنة.
وقيل : هل جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة.
قاله ابن زيد.
" وروى أنس - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قرأ ﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾ ثم قال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قال : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة ".
" وروى ابن عباس أن النبي ﷺ قرأ هذه الآية، فقال :" يقول الله تعالى : هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلاّ أنْ أُسكنه جنَّتي وحظيرة قدسي برحمتي ".
٣٥٣
وقال الصادق : هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان إليه في الأبد.
قال ابن الخطيب : والأقرب أنه عام، فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو أيضاً.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٤١


الصفحة التالية
Icon