وقال عكرمة : مشبكة بالدُّر والياقوت.
وعن ابن عباس أيضاً :" مَوضُونةٌ " أي : مصفوفة، لقوله تعالى في موضع :﴿عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ﴾ [الطور : ٢٠].
وعنه، وعن مجاهد أيضاً : مرمُولة بالذهب.
وقيل :" مَوضُونة " : منسوجة بقضبان الذهب مُشَبَّكةٌ بالدّر والياقوت.
و " الموضونة " : المنسوجة، وأصله من وضَنْتُ الشَّيء، أي ركبته بعضه على بعض.
ومنه قيل للدِّرع :" موضونة " ؛ لتراكب حلقها.
قال الأعشى : المتقارب] ٤٦٧٤ - ومِنْ نَسْجِ دَاوُدَ موضُونَةً
تَسِيرُ مَعَ الحَيِّ عِيراً فَعِيرَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٢
وعنه أيضاً : وضِينُ الناقة، وهو حِزامُهَا لتراكُب طاقاته ؛ قال :[الرجز] ٤٦٧٥ - إلَيْكَ تَعْدُو قَلِقاً وضينُهَا
مُعْتَرِضاً فِي بَطْنِهَا جَنينُهَا
مُخَالِفاً دينَ النَّصارَى دِينُهَا
وقال الرَّاغب :" الوَضْن : نسْج الدِّرع، ويستعار لكلّ نسج محكم ".
فجعله أصلاً في نسيج الدروع.
وقال الآخر :[الوافر] ٤٦٧٦ - أقُولُ وقَدْ دَرَأتُ لَهَا وَضِيني
أهَذَا دِينُهُ أبداً وَدِينِي ؟
أي حزامي.
" والوضينُ " : هو الحَبْل العريض الذي يكون منه الحَزْم لقوّة سداه ولُحْمته، والسرير الموضون الذي سطحه بمنزلة المنسوج.
قال القرطبي " ومنه الوضين بطانٌ من سُيُور ينسج، فيدخل بعضه في بعض ".
٣٨٤
قوله :﴿مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾.
حالان من الضمير في " عَلى سُرُرٍ ".
ويجوز أن تكون حالاً متداخلة، فيكون " متقابلين " حالاً من ضمير " مُتَّكئِينَ ".
فصل في معنى الآية " مُتَّكِئينَ " على السّرر، " مُتَقَابلينَ " لا يرى بعضهم قفا بعض، بل تدور بهم الأسرَّة.
والمعنى : أنهم كائنون على سُرر متكئين على غيرها كحال من يكون على كرسي، فيوضع تحته شيء آخر للاتِّكاء عليه.
قال مجاهد وغيره : هذا في المؤمن وزوجته وأهله، أي : يتكئون متقابلين.
قال الكلبي : طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت، فإذا جلس عليها ارتفعت.
قوله :﴿يَطُوفُ﴾.
يجوز أن يكون حالاً، وأن يكون استئنافاً.
﴿وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾ أي : غلمان لا يموتون.
قاله مجاهد.
والمعنى : لا موت لهم ولا فناء، أو بمعنى لا يتغير حالهم، ويبقون صغاراً دائماً.
وقال الحسن والكلبي : لا يهرمُون ولا يتغيرون.
ومنه قول امرئ القيس :[الطويل] ٤٦٧٧ - وهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
قَلِيلُ الهُمُومِ ما يَبِيتُ بأوْجَالِ
وقال سعيد بن جبير :" مخلّدون " مُقَرَّطُون.
يقال للقُرْط : الخَلَدة، ولجماعة الحُلِيّ : الخِلدة.
وقيل : مسوَّرون، ونحوه عن الفراء.
قال الشاعر :[الكامل] ٤٦٧٨ - ومُخَلَّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنَّمَا
أعْجَازُهُنَّ أقَاوِزُ الكُثْبَانِ
٣٨٥
وقيل : مقرطون، يعني : مُمَنْطَقُون من المناطق.
وقال عكرمة :" مخلّدون " منعمون.
وقيل : على سنٍّ واحدة، أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم، كما شاء من غير ولادة ؛ لأن الجنة لا ولادة فيها.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسن البصري :" الوِلْدَان " هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً، ولا حسنة لهم ولا سيّئة.
وقال سلمان الفارسي : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة.
قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجازون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع، والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة.
قوله :" بِأكْوَابٍ " متعلق بـ " يَطُوفُ ".
و " الأكواب " : جمع كوب، وهي الآنيةُ التي لا عُرَى لها ولا خراطيم، وقد مضت في " الزخرف " و " الأباريق " : جمع إبريق، وهي التي لها عُرَى وخراطيم، واحدها : إبريق، وهو من آنِيَة الخَمْر، سُمِّيَ بذلك لبريق لونه من صفائه.
قال الشاعر :[البسيط] ٤٦٧٩ - أفْنَى تِلادِي ومَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ
قَرْعُ القَوارِيرِ أفْواهُ الأبَارِيقِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٢
وقال عديُّ بن زيد :[الخفيف] ٤٦٨٠ - وتَدَاعَوْا إلى الصَّبُوح فَقَامَتْ
قَيْنَةً فِي يَمينهَا إبْرِيقُ
وقال آخر :[البسيط] ٤٦٨١ - كَأنَّ إبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ على شَرَفٍ
مُقَدَّمٌ بِسَبَا الكتَّانِ مَلْثُومُ
ووزنه " إفْعِيل " لاشتقاقه من البريق.
قوله :﴿وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ تقدم في " الصافات ".
و " المعين " : الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد هنا الخمر الجارية من العيون.
٣٨٦


الصفحة التالية
Icon