فأما الجر فمن أوجه : أحدها : أنه عطف على " جنَّات النَّعيم " كأنه قيل : هم في جنات وفاكهة ولحم وحور ؛ قاله الزمخشري.
قال أبو حيان :" وهذا فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي ".
قال شهاب الدين :" والذي ذهب إليه الزمخشري معنى حسن جدًّا، وهو على حذف مضاف أي : وفي مقارنة حور، وهو الذي عناه الزمخشري، وقد صرح غيره بتقدير هذا المضاف ".
وقال الفرَّاء : الجر على الإتباع في اللفظ، وإن اختلفا في المعنى ؛ لأن الحور لا يُطاف بهنّ.
قال الشاعر :[الوافر] ٤٦٨٤ - إذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً
وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٢
والعين لا تُزَجَّجُ، وإنَّما تُكَحَّل.
وقال آخر :[مجزوء الكامل] ٤٦٨٥ - ورَأيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى
مُتَقَلِّداً سيْفاً ورُمْحَا
الثاني : أنه معطوف على " بِأكْوَابٍ "، وذلك بتجوّز في قوله :" يَطُوفُ " ؛ إذ معناه ينعمون فيها بأكواب، وبكذا، وبحور.
قاله الزمخشري.
الثالث : أنه معطوف عليه حقيقة، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضاً فإن فيه لذة لهم إذا طافوا عليهم بالمأكول ؛ والمشروب، والمتفكه به، والمنكوح، وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء وقطرب.
ولا التفات إلى قول أبي البقاء : عطفاً على " أكْوَاب " في اللَّفظ دون المعنى ؛ لأن الحور لا يُطافُ بها.
وأما الرَّفْع فمن أوجه : أحدها : عطفاً على " ولْدَان ".
٣٩٠
أي : أن الحور يطفن عليهم بذلك كالولائد في الدُّنيا.
وقال أبو البقاء :" أي يَطُفْن عليهم للتَّنعيم لا للخِدْمَة ".
قال شهاب الدين :" وهو للخدمة أبلغ ؛ لأنهم إذا خدمهم مثل أولئك، فما الظَّن بالمَوطُوءَات ".
الثاني : أن يعطف على الضمير المستكنّ في " متكئين "، وسوغ ذلك الفصل بما بينهما.
الثالث : أن يعطف على مبتدأ وخبر حذفا معاً، تقديره :" لهم هذا كله وحور عين " قاله أبو حيَّان.
وفيه نظر ؛ لأنه إنما يعطف على المبتدأ وحده، وذلك الخبر له، ولما عطف هو عليه.
الرابع : أن يكون مبتدأ خبره مضمر، تقديره : ولهم، أو فيها، أو ثمَّ حور.
وقال الزمخشري :" عطف على وفيها حور عين، كبيت الكتاب ".
يريد : كتاب سيبويه، والمرادُ بالبيت قولهُ :[الكامل] ٤٦٨٦ - بَادَتْ وغَيَّرَ آيَهُنَّ مَعَ البِلَى
إلاَّ رَواكِدَ جَمْرُهُنَّ هَبَاء
ومُشَجَّدٌ أمَّا سواءُ قَذالِهِ
فَبَدا وغيَّر سارهُ المَعْزاءُ
عطف " مشجج " وهو مرفوع على " رواكد "، وهو منصوب.
الخامس : أن يكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي : نساؤهم حور.
قاله أبو البقاء.
قال الكسائي : ومن قال :" وحُورٌ عينٌ " بالرَّفع، وعلل بأنه لا يطاف بهن يلزمه ذلك في " فَاكِهَةٍ ولحْمٍ " ؛ لأن ذلك لا يطاف به، وليس يطاف به، وليس يطاف إلاَّ بالخمر وحدها.
وأما النصب ففيه وجهان :
٣٩١
أحدهما : أنه منصوب بإضمار فعل، أي : يعطون، أو يؤتون حوراً.
والثاني : أن يكون محمولاً على معنى " يطُوفُ عَليْهِمْ " ؛ لأن معناه : يعطون كذا وكذا، فعطف هذا عليه.
وقال مكي :" ويجوز النَّصب على أن يحمل أيضاً على المعنى ؛ لأن المعنى " يطوف عليهم ولدان بكذا وكذا، أي : يعطون كذا وكذا، ثم عطف " حوراً " على معناه "، فكأنه لم يطلع [على أنها] قراءة.
وأمَّا قراءة :" وحِيرٍ " فلمُجاورتها " عِين "، ولأن الياء أخف من الواو، ونظيره في التَّعبير للمجاورة قولهم :" أخذه ما قدُم وما حدُث " - بضم الدال - " حدُث " لأجل " قَدُم "، وإذا أفرد منه فتحت داله فقط.
وقوله عليه الصلاة والسلام :" ورَبَّ السَّمواتِ وما أظْلَلْنَ، وربَّ الشَّياطين ومنْ أضْلَلْن ".
[وقوله :" أيَّتُكُنَّ صاحبةُ الجملِ الأدْبَبِ، يَنْبَحها كلاب الحوْأب "، فكَّ الأدبب لأجل الحَوأبِ].
وقرأ قتادة :" وحورُ عِينٍ " بالرفع والإضافة لـ " عين ".
وابن مقسم : بالنَّصب والإضافة.
وقد تقدم توجيه الرفع والنَّصْب.
وأما بالإضافة : فمن إضافة الموصوف لصفته مؤولاً.
وقرأ عكرمة :[ " وحَوْرَاء عَيْنَاء " بإفرادهما على إرادة الجنس].
٣٩٢