و " الهِيْم " فيه أوجه : أحدها : أنه جمع " أهْيَم أوْ هَيْمَاء "، وهو الجمل والنَّاقة التي أصابها الهيام، وهو داء معطش تشرب الإبل منه إلى أن تموت، أو تسقم سقماً شديداً.
والأصل :" هُيْم " - بضم " الهاء " - كـ " أحْمر وحُمْر، وحَمرَاء وحُمْر " فقلبت الضمة كسرة لتصح " الياء "، وذلك نحو " بِيض " في " أبْيَض ".
وأنشد لذي الرّمة :[الطويل] ٤٦٩٤ - فأصْبَحْتُ كالهَيْمَاءِ، لا المَاءُ مُبْرِدٌ
صَداهَا، ولا يَقْضِي عليْهَا هُيَامُهَا
٤١٢
الثاني : أنَّه جمع " هَائِم وهَائمة " من " الهيام " أيضاً، إلا أن جمع " فَاعِل وفاعِلَة " على " فُعل " قليل، نحو :" نَازِل ونُزُل، وعائذ وعُوذ ".
ومنه :[الطويل] ٤٦٩٥ -.......................
عُوذٍ مَطَافِلِ
وقوله :" العوذ المطافيل ".
وقيل : هو من " الهيَام " وهو الذهاب ؛ لأن الجمل إذا أصابه ذلك هَامَ على وجهه.
الثالث : أنه جمع " هَيَام " بفتح الهاء، وهو الرمل غير المتماسك الذي لا يروى من الماء أصلاً، فيكون مثل " سَحَاب وسُحُب " - بضمتين - ثم خفف بإسكان عينه ثم كسرت فاؤه لتصحّ " الياء " كما فُعِلَ بالذي قبله.
[الرابع : أنه جمع " هُيَام " - بضم الهاء - وهو الرمل المتماسك، مبالغة في " الهيام " بالفتح.
حكاها ثعلب.
إلا أن المشهور الفتح، ثم جمع على " فُعُل " نحو :" قَرَاد وقُرُد "، ثم خفف وكسرت فاؤه] [لتصح " الياء " ].
وفي " الصحاح " :" والهُيَام - بالضمِّ - أشدّ العطش، و " الهيام " كالجنون من العشق، و " الهَيْمَاء " أيضاً : المفازة لا ماء بها، و " الهِيَام " - بالكسر - العطاش ".
والمعنى : أنَّهم يصيبهم من الجُوع ما يلجئهم إلى أكل الزَّقُّوم، ومن العطش ما يضطرهم إلى شُرْب الهيم.
وقال الزمخشري :" فإن قلت : كيف صح عطف الشاربين على الشاربين، وهما لذوات واحدة، وصفتان متفقتان، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟.
قلت : ليستا متفقتين من حيث إن كونهم شاربين على ما هو عليه من تناهِي الحرارة وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الماء أمر عجيب أيضاً، فكانتا صفتين مختلفتين ".
انتهى.
٤١٣
يعني قوله :﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ﴾.
وهو سؤال حسن، وجوابه مثله.
وأجاب بعضهم عنه بجواب آخر، وهو أن قوله :﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ تفسير للشرب قبله.
ألا ترى أنَّ ما قبله يصلح أن يكون [مثل] شرب الهيم، ومثل شرب غيرها، ففسره بأنه مثل شرب هؤلاء البهائم أو الرمال، وفي ذلك فائدتان : إحداهما : التنبيه على كثرة شربهم منه.
والثانية : عدم جَدْوى الشرب، وأن المشروب لا ينجع فيهم كما لا ينجع في الهِيْمِ على التفسيرين.
وقال أبو حيَّان :" " والفاء " تقتضي التعقيب في الشربين، وأنهم أولاً لما عطشوا شربُوا من الحميم ظنًّا منهم أنه ليسكن عطشهم، فازدادوا عطشاً بحرارة الحميم، فشربوا بعده شرباً لا يقع بعده ريٌّ أبداً، وهو مثل شرب الهيم، فهما شربان من الحميم لا شرب واحد اختلفت صفتاه فعطف، والمقصود : الصفة، والمشروب منه في ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ محذوف لفهم المعنى، تقديره : فشاربون منه " انتهى.
قال شهاب الدين :" والظَّاهر أنه شرب واحد، بل الذي يعتقد هذا فقط، وكيف يناسب أن يكون زيادتهم العطش بشربة مقتضية لشربهم منه ثانياً ".
قوله :﴿اذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾.
قرأ العامة :" نُزُلُهُمْ " بضمتين.
وروي عن أبي عمرو من طرق.
وعن نافع وابن محيصن : بضمة وسكون، وهو تخفيف.
و " النُّزُل " : ما يعدّ للضيف.
وقيل : هو أول ما يأكله، فسمي به هذا تهكّماً بمن أعد له.
وهو في المعنى كقول أبي الشعر الضَّبي :[الطويل] ٤٦٩٦ - وكُنَّا إذا الجَبَّارُ أنْزَلَ جَيْشَهُ
جعلنَا القَنَا والمُرهفاتِ لَهُ نُزْلا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٠٥
٤١٤
ومعنى الآية : هذا أول ما يلقونه من العذاب يوم القيامة كالنُّزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم، [وفيه] تهكم، كقوله تعالى :﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة : ٣٤].
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٠٥


الصفحة التالية
Icon