قال الحسن : أي : نجعلكم قِردةً وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم.
وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا، فيجمّل المؤمن ببياض وجهه، ويقبح الكافر بسواد وجهه.
وقال سعيد بن المسيب : قوله :﴿فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ يعني في حواصل طير سُودٍ تكون ببرهوت كأنها الخَطَاطِيْف، و " برهوت " : وادٍ في " اليمن ".
وقال مجاهد :﴿فيما لا تعلمون﴾ أي : في أي خلق شئنا.
وقيل : ننشئكم في عالم فيما لا تعلمون، وفي مكان لا تعلمون.
قال ها هنا :﴿قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾.
وقال في سورة " الملك " :﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك : ٢] بلفظ الخلق ؛ لأن المراد هناك بيان كون الموت والحياة مخلوقين، وهاهنا ذكر حياتهم ومماتهم.
قوله :﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى ﴾.
أي : إذ خلقتم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ولم تكونوا شيئاً.
قاله مجاهد وغيره.
وهذا تقرير للنشأة الثَّانية.
وقال قتادة والضحاك : يعني خلق آدم عليه الصلاة والسلام.
﴿فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ﴾.
أي : فهلا تذكرون.
قرأ طلحة :" تَذْكُرون " بسكون " الذال "، وضم " الكاف ".
وفي الخبر :" عَجَباً كُل العَجبِ للمُكذِّبِ بالنَّشأة الآخرةِ، وهُو يَرَى النَّشْأة الأولى، وعَجَباً للمُصدِّقِ بالنَّشأةِ الآخرةِ، وهُوَ يَسْعَى لدارِالغرُورِ ".
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤١٥
قوله :﴿أَفَرَأَيْتُم﴾ وما بعده تقدم نظيره، وهذه حجة أخرى، أي : أخبروني عما
٤١٨
تحرثون من أرضكم، فتطرحون فيها البَذْر، أأنتُم تُنشئُونه، وتجعلونه زرعاً، فيكون فيه السُّنبل والحب، أم نحن نفعل ذلك وإنما منكم البِذْر وشقُّ الأرض ؟ فإذا أقررتم بأن إخراج السُّنبلة من الحبَّة ليس إليكم، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم ؟.
وأضاف الحَرْث إليهم، والزَّرع إليه تعالى ؛ لأنَّ الحرث فعلهم، ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله - تعالى - وينبت على اختياره لا على اختيارهم.
وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :" لا يَقُولنَّ أحدُكمْ : زَرعتُ، وليقُلْ حرثتُ، فإنَّ الزَّارعَ هُوَ اللَّهُ ".
قال أبو هريرة : ألم تسمعوا قول الله تعالى :﴿أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾.
قال القرطبي :" والمستحبّ لكل من زرع أن يقرأ بعد الاستعاذة :﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ﴾ الآية، ثم تقول : بل الله هو الزارع، والمنبت والمبلغ، اللهم صل على محمد، وارزقنا ثمره، وجَنِّبْنا ضرره، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكرين، ويقال : إنَّ هذا القول أمان لذلك الزَّرع من جميع الآفات : الدُّود والجراد وغير ذلك، سمعناه من ثقة وجرَّبناه فوجدناه كذلك ".
فإن قيل : إذا كان الزَّارع هو الله، فكيف قال تعالى :﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ [الفتح : ٢٩].
وقال عليه الصلاة والسلام :" الزَّرْعُ للزُّراع " فالجواب : أن الحرث أوائل الزَّرع، والزرع أواخر الحرث، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر لاتِّصاله به.
ومعنى :" أأنْتُمْ تزرَعُونَهُ "، تجعلونه، وقد يقال : فلان زَرَّاع كما يقال : حرَّاث أي : يفعل ما يؤول إلى أن يصير زَرْعاً، وقد يطلق لفظ الزَّرْع على بَذْر الأرض وتكريبها تجوزاً.
قال القرطبي :" وهذا نهي إرشاد وأدب، لا حظر وإيجاب ".
٤١٩


الصفحة التالية
Icon