وإرادة المفعول كثير، كقوله تعالى :﴿هَـذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان : ١١] وأوثر المصدر ؛ لأن تعلق المصدر بالفاعل أكثر.
قوله :﴿أَفَبِهَـاذَا الْحَدِيثِ﴾ متعلق بالخبر، وجاز تقديمه على المبتدأ ؛ لأنه عامله يجوز فيه ذلك، والأصل : أفأنتم مدهنون بهذا الحديث، وهو القرآن.
ومعنى " مُدْهِنُون " أي : متهاونون كمن يدهن في الأمر، أي : يلين جانبه، ولا يتصلب فيه تهاوناً به، يقال : أدهن فلان، أي : لاين وهاود فيما لا يجمل عنه المدهن.
قال أبو قيس بن الأسلت :[السريع] ٤٧١٢ - الحَزْمُ والقُوَّةُ خَيْرٌ من الْـ
إدْهَانِ والفَهَّةِ والهَاعِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٢٨
وقال الراغب : والإدهان في الأصل مثل التدهين، لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ، كما جعل التَّقريد وهو نزع القراد عبارة عن ذلك.
قال القرطبي :" وأدهن وداهن واحد، وقال قوم : داهنت بمعنى واريت، وأدهنت بمعنى غششت ".
قال ابن عبَّاس :" مُدْهِنُون " أي : مكذبون.
وهو قول عطاء وغيره.
والمدهن : الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبّه بالدهن في سهولة ظاهره.
وقال مقاتل بن سليمان وقتادة :" مدهنون " كافرون، نظيره :﴿وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم : ٩].
وقال المؤرِّج : المدهن : المنافق الذي يلين جانبه ليُخفي كفره.
والإدْهَان والمُداهنَة : التكذيب والكفر والنِّفاق.
وقال الضحاك :" مُدْهنون " معرضون.
وقال مجاهد : مُمَالِئُون الكُفَّار على الكفر به.
٤٣٩
وقال ابن كيسان : المدهن : الذي لا يعقل ما حق الله عليه، ويدفعه بالعللِ.
وقال بعض اللغويين :" مُدْهنون " : تاركُون للجزمِ في قبول القرآن.
قوله :﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾.
فيه أوجه : أحدها : أنه على التهكم بهم، لأنهم وضعوا الشيء غير موضعه، كقولك : شتمني حيث أحسنت إليه، أي : عكس قضية الإحسان.
ومنه :[الرجز] ٤٧١٣ - كَأنَّ شُكْر القَوْمِ عندَ المِنَنِ
كيُّ الصَّحِيحاتِ، وفقْءُ الأعيُنِ
أي : شكر رزقكم تكذيبكم.
الثاني : أن ثمَّ مضافين محذوفين، أي : بدل شكر رزقكم، ليصح المعنى.
قاله ابن مالك.
وقد تقدم في قوله تعالى :﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ﴾ [النجم : ٩] أكثر من هذا.
الثالث : أنَّ الرزق هو الشكر في لغة " أزد شنوءة " يقولون : ما رزق فلان فلاناً، أي : ما شكره، فعلى هذا لا حذف ألبتة.
ويؤيده قراءة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وتلميذه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - :" وتَجْعَلُونَ شُكْركُمْ " مكان رزقكم.
قال القرطبي :" وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان الشُّكر لأنَّ شكر الرِّزق يقتضي الزيادة فيه، فيكون الشكر رزقاً لهذا المعنى ".
قوله :﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾.
قرأ العامة :" تُكذِّبُونَ " من التكذيب.
وعلي - رضي الله عنه - وعاصم في رواية المفضل عنه :" تكْذبُونَ " مخففاً من الكذب.
٤٤٠


الصفحة التالية
Icon