وفي الحديث :" إنَّ مَلَكَ المَوْتِ لهُ أعْوانٌ يَقْطعُونَ العُرُوق، ويَجْمَعُونَ الرُّوح شَيْئاً فَشَيْئاً حتَّى ينتهي بها إلى الحُلْقُومِ، فيتوفَّاها ملكُ الموتِ ".
﴿وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ أمري وسلطاني.
وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء.
قال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميِّت ينتظرون متى تخرج نفسه.
ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم :﴿لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾ [آل عمران : ١٥٦]، فهلاَّ ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحُلْقُوم.
وقيل : المعنى فهلاَّ إذا بلغت نفس أحدكم الحُلْقُوم عند النَّزْع، وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه، وهذا رد لقولهم :﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ﴾ [الجاثية : ٢٤].
قوله :﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ﴾.
يجوز أن يكون حالاً، أي : تنظرون في هذه الحال التي تخفى عنكم.
وأن تكون مستأنفة، فيكون اعتراضاً، والاستدراك ظاهر.
والبصر يجوز أن يكون من البَصِيْرَة، والمعنى : ونحنُ أقرب إليه منكم بالقدرة والعلم والرُّؤية.
٤٤٣
قال عامر بن عبد قيس : ما نظرت إلى شيء إلاَّ رأيت الله - تعالى - أقرب إليَّ منه.
وأن يكون من البصر، أي لا تنظرون أعوان ملك الموت، والمعنى : أن رسلنا الذين يتولون قبض روحه أقرب إليه منكم لكن لا ترونهم.
قوله :﴿فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾.
" إن كنتم " شرط، جوابه محذوف عند البصريين لدلالة " فلولا " عليه، أو مقدم عند من يرى ذلك كما تقدم تقريره.
والمعنى : فهلا كنتم غير محاسبين، ولا مجزيين بأعمالكم، ومنه قوله تعالى :﴿أَإِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات : ٥٣]، أي : مجزيّون أو محاسبون.
وقد تقدم.
وقيل : غير مملوكين، ولا مقهورين.
قال الفراء وغيره : دِنْتُه، ملكته.
قال الحطيئة :[الوافر] ٤٧١٥ - لَقَدْ دُيِّنْتِ أمْرَ بَنِيكِ حَتَّى
تَرَكْتِهِمُ أدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٤٢
يعني : مُلِّكْتِ.
ودانه : أي أذله واستعبده، يقال : دنْتُه فدان.
ومنه دانت له البلاد والعباد، وقد تقدم في " الفاتحة " عند قوله " يوم الدِّين ".
قوله :﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾.
قال أبو البقاء :" تَرْجعُونَها " جواب " لولا " الأولى، وأغنى ذلك عن جواب الثانية.
وقيل : بعكس ذلك.
وقال الزمخشري :" إنّ " لولا " الثانية تكرير ".
انتهى.
قال شهاب الدين : وتسمية مثل هذا جواباً ليس بصحيح ألبتة ؛ لأن هذه تحضيضية لا جواب لها، إنما الجواب للامتناعية لوجود، نحو :﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النور : ٢١].
وقال ابن عطية : وقوله :" ترجعونها " سدّ مسدّ الأجوبة والبيانات التي تقتضيها التحضيضات، وإذا في قوله " فَلوْلاَ إذَا "، وإن المتكررة، وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واختصاراً.
انتهى.
٤٤٤


الصفحة التالية
Icon