سورة الحديد
[مدنية]، وهي تسع وعشرون آية.
عن العرياض بن سارية أن النبي ﷺ كان يقرأ ب"المسبحاتن"قبل أن يرقد، ويقول :"إن فيهن آية أفضل من ألف آية".
يعني ب"المسبحات" : الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٥١
قوله تعالى :﴿سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
٤٥٢
أي : مجّد الله ونزّهه عن السوء.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : صلى لله ما في السموات من خلق من الملائكة والأرض من شيء فيه روح، أو لا روح فيه.
وقيل : هو تسبيح الدلالة.
وأنكر الزجَّاج هذا وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة، وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة، فلم قال :﴿وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء : ٤٤].
وإنما التسبيح مقال، واستدل بقوله تعالى :﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ [الأنبياء : ٧٩]، ولو كان هذ التسبيح تسبيح دلالة، فأي تخصيص لداود ؟.
وقال القرطبي : هذا هو الصحيح.
فصل في الكلام على الفعل سبح هذا الفعل عدي باللام تارة كهذه السورة، وأخرى بنفسه كقوله تعالى :﴿وَسَبِّحُوهُ﴾ [الأحزاب : ٤٢]، وأصله التعدي بنفسه، لأن معنى " سبحته " : بعدته عن السوء، فاللام إما أن تكون مزيدة كهي في نصحت لزيد، ونصحته، وشكرته، وشكرت له ؛ إذ يقال : سبحت الله تعالى، قال :﴿وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف : ٢٠٦].
وإما أن تكون للتعليل، أي : أحدث التسبيح لأجل الله تعالى.
وجاء في بعض الفواتح " سبَّح " بلفظ الماضي، وفي [بعضها] بلفظ المضارع، وذلك إشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات، لا يختص بوقت دون وقت، بل هي مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل.
قوله :﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
" العزيز " : الغالب القادر الذي لا ينازعه شيء، وذلك إشارة إلى كمال القدرة.
" الحكيم " : الذي يفعل أفعاله على وفق الحكمة والصواب.
قوله تعالى :﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
٤٥٣
وحقيقة " المُلْك " عبارة عن نفوذ الأمر، فهو سبحانه وتعالى المالك القادر القاهر.
وقيل : أراد خزائن المطر والنبات والرِّزق.
قوله :﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
يجوز في هذه الجملة ثلاثة أوجه : أحدها : أنها لا محل [لها] كالتي قبلها.
والثاني : أنها خبر مبتدأ مضمر، أي : هو له ملك.
الثالث : أنه الحال من الضمير في " له " فالعامل فيها الاستقرار.
ولم يذكر مفعول الإحياء والإماتة ؛ إذ الغرض ذكر الفعلين [فقط، والمعنى ليميت] الأحياء في الدنيا، ويحيي الأموات للبعث.
وقيل : هو يحيي النُّطف، وهي أموات، ويميت الأحياء.
قال ابن الخطيب :" وعندي فيه وجه ثالث، وهو أنه ليس المراد منه تخصيص الإحياء والإماتة بزمان معين، وبأشخاص معينين، بل معناه : أنَّه القادر على خلق الحياة والموت، كقوله تعالى :﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك : ٢]، [والمقصود منه] كونه - تعالى - هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيتين على الإطلاق لا يمنعه عنهما مانع.
قوله :﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يعجزه شيء.
قوله تعالى :﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ الآية.
قال الزمخشري : فإن قلت :[فما معنى " الواو " ؟ ].
قلت :" الواو " الأولى معناها الدلالة على [أنه الجامع بين الصفتين الأولية]، والآخرية.
والثالثة على الجامع بين الظُّهور والخفاء.
وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين، ومجموع الصفتين الأخريين.
فصل في تفسير الآية قال القرطبي رحمه الله : اختلف في معاني هذه الأسماء وقد شرحها رسول الله ﷺ شرحاً يغني عن قول كل قائل.
٤٥٤