وقوله :﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حال من الدخول المحذوف، التقدير : بشراكم اليوم دخول الجنة جنات تجري من تحتها الأنهار مقدرين الخلود فيها.
قال القرطبي :" ولا تكون الحال من " بشراكم " لأن فيه فصلاً بين الصلة والموصول، ويجوز أن تكون مما دلّ عليه البشرى كأنه قال : يبشرون خالدين فيها، ويجوز أن يكون الظَّرف الذي هو " اليوم " خبراً عن " بشراكم "، و " جنات " بدلاً من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم، و " خالدين " حال حسب ما تقدم ".
فصل في العامل في قوله :" خالدين " قال شهاب الدِّين :" خالدين " نصب على الحال، والعامل فيها المضاف محذوف، إذ التقدير : بُشْرَاكم دخولكم جنات خالدين فيها، فحذف الفاعل وهو ضمير المخاطب، [وأضيف المصدر لمفعوله، فصار دخول جنات]، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف فيه مقامه في الإعراب، ولا يجوز أن يكون " بشراكم " هو العامل فيها ؛ لأنه مصدر، وقد أخبر عنه قبل ذكر متعلقاته، فيلزم الفصل بأجنبي، وظاهر كلام مكي أنه عامل في الحال، فإنه قال :" خالدين " نصب على الحال من الكاف والميم، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها فيلزم أن يكون " بشراكم " هو العامل، وفيه ما تقدم من الفصل بين المصدر ومعموله.
فصل في كون الفاسق مؤمناً أم لا قال ابن الخطيب : تقدم في الكلام البشارة عند قوله :﴿وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ﴾ [البقرة : ٢٥].
وهذه الآية تدل على أن المؤمنين لا ينالهم أهوال يوم القيامة ؛ لأنه تعالى بين أن هذه صفتهم يوم القيامة من غير تخصيص.
قال الكعبي : هذه الآية تدلّ على أن الفاسق ليس بمؤمن ؛ لأنه لو كان مؤمناً لدخل تحت هذه البشارة، ولو كان كذلك لقطع بأنه من أهل الجنَّة ؛ [ولما لم يكن كذلك ثبت أنه ليس بمؤمن].
أجاب ابن الخطيب :[بأنا نقطع بأن الفاسق من أهل الجنة]، لأنه إما أن يدخل النار، أو أنه ممن دخلها، لكنه سيخرج منها، وسيدخل الجنة، ويبقى فيها أبد الآباد، فإذن يقطع بأنه من أهل الجنة، فسقط الاستدلال.
٤٧٠
قوله :" ذلك الفوز " هذه الإشارة عائدة إلى جميع ما تقدم من النور والبشرى بالجنَّات المخلدة.
قوله :﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ﴾.
العامل في " يوم " " ذلك الفوز العظيم ".
وقيل :" هو بدل من اليوم الأول ".
وقال ابن الخطيب منصوب بـ " اذْكر " مقدًّرا.
واعلم أنه لما شرح حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين، فقال : يوم يقول.
قوله :﴿لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
" اللام " للتبليغ.
و ﴿انظرونا نقتبس من نوركم﴾ قراءة العامة :" انْظُرونَا أمر من النَّظر ".
وحمزة :" أنْظِرُونا " بقطع الهمزة، وكسر الظَّاء من الإنظار بمعنى الانتظار.
وبها قرأ الأعمش، ويحيى بن وثَّاب، أي : انتظرونا لنلحق بكم، فنستضيء بنوركم.
والقراءة الأولى يجوز أن تكون بمعنى هذه، إذ يقال : نظره بمعنى انتظره، وذلك أنَّه يسرع بالخواص على نُجُب إلى الجنة، فيقول المنافقون : انتظرونا لأنَّا مُشَاة لا نستطيع لحوقكم، ويجوز أن يكون من النظر وهو الإبصار ؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيضيء لهم المكان، وهذا أليق بقوله :﴿نقتبس من نوركم﴾.
قال معناه الزمخشري.
إلاَّ أن أبا حيان قال : إن النَّظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشِّعر، إنما يتعدى بـ " إلى ".
قوله :﴿نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ أي : نستضيء من نوركم.
و " القَبَس " : الشعلة من النار أو السِّراج.
قال ابن عبَّاس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة.
٤٧١