ما اسمك ؟ قال : فلان ؛ للاسم الذي سمع من السَّحاب، فقال له : يا عبد الله، لم تَسْأَلُني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتاً من السَّحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان لاسمك، فماذا تصنع ؟ قال : أمَّا إذا قلت هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً وأردُ فيها ثلثه.
" وفي روايةٍ :" وأجعل ثلثه للمساكين، والسَّائلين، وابن السَّبيل " قوله :" يَعْقِلُونَ "، أي : يعلمون لهذه الأشياء خالقاً وصانعاً.
قال القاضي : دلت الآية على أنَّه لو كان الحقُّ يدرك بالتقليد، واتباع الآباء، الجري على الإلف والعادة، لما صَحَّ قوله :" لآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ "، وأيضاً : لو كانت المعارفُ ضروريَّةً، وحاصلةً بالإلهام، لما صَحَّ وصفُ هذه الأمُور بأنَّها آياتٌ ؛ لأنَّ المعلومَ بالضَّرورة لا يحتاج في معرفته إلى الآيات.
قال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : ثلاثة لا يدرى من أين يَجِيء : الرَّعد، والبرق، والسَّحاب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٧
اعلم : أنه، سبحانه وتعالى، لمَّا قرَّر التوحيد بالدلائل العقلية القاطعة، أردفه بتقبيح ما يضاده ؛ لأنَّ تقبيح ضد الشيء مما يوكِّد حسن الشَّيء.
قال الشاعر :[الكامل] ٨٧٦ -.....................
وَبِضِدِّهَا تَتَبَيِّنُ الأَشْيَاءُ
وقالوا أرضاً : النِّعمة مجهولةٌ، فإذا فقدت عرفت، والنَّاس لا يعرفون قدر الصِّحَّة، فإذا مرضوا، ثم عادت الصحَّة إليهم، عرفوا قدرها، وكذا القول في جميع النِّعم، فلهذا السَّبب أردف الله تبارك وتعالى هذه الآية الدَّالَّة على التَّوحيد بهذه الآية الكريمة.
قوله تعالى :" مَنْ يَتَّخِذُ " " مَنْ " : في محلِّ رفع بالابتداء، وخبره الجارُّ قبله، ويجوز فيها وجهان : أحدهما : أن تكون موصولةً.
والثاني : أن تكون موصوفةً.
فعلى الأوَّل : لا محلَّ للجملة بعدها.
وعلى الثاني : محلُّها الرَّفع، أي : فريقٌ، أو
١٣٤
شخصٌ متَّخذٌ، وأفرد الضمير في " يَتَّخِذُ " ؛ حملاً على لفظ " مَنْ " و " يَتَّخِذُ " : يفتعل، من " الأَخْذ "، وهي متعدِّية إلى واحد، وهو " أنداداً ".
قوله تعالى :" مِنْ دُونِ اللَّهِ " : متعلِّق بـ " يَتَّخِدُ "، والمرابد بـ " دُونِ " [هنا " غَيْرَ " ].
وأصلها إذا قلت :" اتَّخَذْتُ مِنْ دُونِكَ صَدِيقاً "، أصله : اتخذت من جهةٍ ومكانٍ دون جهتك، ومكانك صديقاً، فهو ظرف مجازيٌّ، وأذا كان المكان المتَّخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطَّةً عنه، ودونه ؟ لزم أن يكون غيراً، [لأنه ليس إيَّاه، ثم حُذِف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، مع كونه غيراً]، فصارت دلالته على الغيريَّة بهذا الطريق، لا بطريق الوضع لغةً، وتقدَّم تقرير شيء من هذا أوَّل السُّورة.
فصل في اختلافهم في المراد بالأنداد اختلفوا في " الأَنْدَاد "، فقال أكثر المفسِّرين : هي الأوثان التي اتَّخذوها آلهةً، ورجعوا من عندها النف والضُّرَّ، وقصدوها بالمسائل، وقرَّبوا لها القرابين ؛ فعلى هذا : الأصنام بعضها لبعضٍ أندادٌ أي أمثالٌ، والمعنى : أنَّها أندادٌ لله تعالى ؛ بحسب ظنونهم الفاسدة.
وقال السُّدِّيُّ : إنَّها السَّادة الَّذين كانوا يطيعونهم، فيحلون لمكان طاعتهم في أنَّهم يحلُّون ما حرّم الله، ويحرِّمون ما أحلَّ الله ؛ ويدلُّ على هذا القول وجوه : الأوَّل : ضمير العقلاء في " يُحِبُّونَهُمْ ".
والثاني : يبعد أنَّهم كانوا يحبُّون الأصنام كحبِّ الله تعالى، مع علمهم بأنها لا تضر، ولا تنفع.
الثالث : قوله بعد هذه الآية :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ﴾ [البقرة : ١٦٦] ؛ وذلك لا يليق إلاَّ بالعقلاء.
وقال الصُّوفية : كلُّ شيءٍ شغلت قلبك به سوى الله تعالى، فقد جعلته في قلبك ندّاً لله تعالى ؛ ويدلُّ عليه قوله تبارك وتعالى :﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية : ٢٣].
قوله تعالى :" يُحِبُّونَهُمْ " في هذ الجلمة ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن تكون في محلِّ رفع ؛ صفة لـ " مِنْ " في أحد وجهيها، والضمير المرفوع يعود عليها ؛ باعتبار المعنى، بعد باعتبار اللَّفظ في " يَتَّخِذُ ".
١٣٥


الصفحة التالية
Icon