وقوله :" نَبَاتُهُ " أي : ما ينبت من ذلك الغَيْث.
قوله :﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾.
يجوز أن يكون في موضع نصب حالاً من الضمير في " لعب " ؛ لأنه بمعنى الوصف، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، أي : ذلك كمثل.
وجوز ابن عطية : أن يكون في موضع رفع صفة لما تقدم، ولم يبينه، وقد بينه مكي، فقال : نعت لـ " تفاخر ".
وفيه نظر لتخصيصه له من بين ما تقدم، وجوز أن يكون خبراً بعد خبر للحياة الدنيا.
وقوله :﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ أي : يجفّ بعد خضرته ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً﴾ أي : متغيراً عما كان عليه من النَّضارة.
وقرئ :" مُصْفَارًّا " من " اصْفَارّ " وهو أبلغ من " اصْفَرّ ".
قوله :" وفي الآخِرةِ " خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر، أخبر بأن في الآخرة عذاباً شديداً، ومغفرة منه ورضواناً، وهذا معنى حسن، وهو أنه قابل العذاب بشيئين : بالمغفرة والرضوان، فهو من باب لن يغلب عُسْرٌ يُسرينِ.
قال القرطبي :﴿وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، أي : للكافر، والوقف عليه حسن، ويبتدأ ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ أي : للمؤمنين.
وقال الفراء :﴿وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة﴾ تقديره : إمَّا عذاب شديد، وإمَّا مغفرة، فلا يوقف على " شديد ".
قوله :﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.
وهذا تأكيد لما سبق، أي : تغرّ الكافر، فأما المؤمن فإن الدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة.
وقيل : العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيداً في العمل للدنيا، وترغيباً للعمل في الآخرة.
وقال سعيد بن جبير : الدُّنيا متاع الغرور إذا ألْهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة، فنعم المتاع ونعم الوسيلة.
٤٨٨
قوله تعالى :﴿سَابِقُوا ااْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ الآية.
أي : سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم.
وقيل : سارعوا بالتَّوبةِ ؛ لأنها تؤدِّي إلى المغفرة.
قاله الكلبي.
وقال مكحول : هي التكبيرة الأولى مع الإمام.
وقيل : الصف الأول.
فصل فيمن استدل بالآية على أن الأمر على الفور احتج القائلون بأن الأمر على الفور بهذه الآية ؛ لأنها دلت على وجوب المسارعة، فوجب أن يكون التراخي محظوراً.
قوله :﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾.
﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ﴾ : مبتدأ وخبر، والجملة صفة، وكذلك " أعِدَّتْ "، ويجوز أن تكون " أعدت " مستأنفة.
فصل في عرض الجنة قال مقاتل : إنَّ السَّموات السَّبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح، وألزق بعضها إلى بعض لكانت عرض جنة واحدة من الجنَّات، والعرض أقل من الطول، ومن عادة العرب أنها تعبر عن الشيء بعرضه دون طوله ؛ قال :[الطويل] ٤٧٢٤ - كَأنَّ بِلادَ اللَّهِ وهْيَ عرِيضةٌ
على الخَائفِ المطلُوبِ كفَّةُ حَابِلِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٤٨٣
وقال عطاء عن ابن عباس : يريد أنَّ لكل واحد من المطيعين جنَّة بهذه الصِّفة.
٤٨٩
وقال السُّدي : إنه - تعالى - شبّه عرض الجنة بعرض السَّموات السبع والأرضين السبع، ولا شك أن طوله أزيد من عرضه.
وقيل : هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه، وأكبر ما في أنفسهم مقدار السموات والأرض.
قاله الزجاج، وهو اختيار ابن عبَّاس.
وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل " الحيرة " لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عز وجل :﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ﴾ فأيْنَ النَّارُ ؟ قال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا ولَّى وجاء النهار، فأين يكون الليل ؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله.
قوله :﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ شرط الإيمان لا غير، والمعتزلة وإن زعموا أن لفظ الإيمان يفيد جملة الطَّاعات، لكنهم اعترفوا بأن لفظ الإيمان إذا عدي بالباء، فإنه باقٍ على مفهومه الأصلي وهو التصديق، فالآية حجة عليهم، ومما يؤكّد ذلك قوله تعالى بعده :﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾ فبين أن الجنة فضل الله يؤتيها من يشاء، سواء أطاع أم عصى.
فإن قيل : فيلزمكم أن تقطعوا بحصول الجنة لجميع العُصاة، وأن تقطعوا بأنه لا عقاب لهم ؟ فالجواب : قلنا : نقطع بحصول الجنَّة، ولا نقطع بنفي العقاب عنهم ؛ لأنهم إذا عذّبوا مدة، ثم نقلوا إلى الجنة، وبقوا فيها أبد الآباد، فقد كانت الجنَّة معدة لهم.
فإن قيل : فالمرتد قد آمن بالله، فوجب إلاّ يدخل تحت هذه الآية.
قلنا : فالجواب خص من العموم، فبقي العموم حجة فيما عداه.
فصل في أن الجنة مخلوقة أم لا ؟ احتجوا بهذه الآية على أن الجنة مخلوقة.
قالت المعتزلة : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجهين : الأول : أن قوله تعالى ﴿أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا﴾ [الرعد : ٣٥] يدل على أن من صفتها بعد وجودها ألا تفتى، لكنها لو كانت الآن موجودة لفنيت بدليل قوله تعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص : ٨٨].
٤٩٠