وقيل : إن الذين لم يرعوها حق رعايتها هم الذين أدركوا محمداً ﷺ ولم يؤمنوا به.
فصل فيمن أحدث بدعة دلت هذه الآية أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه، ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية.
وعن أبي أمامة الباهلي واسمه صديُّ بن عجلان أن النبي ﷺ قال :" أحْدَثْتُم قيامَ رمضانَ ولمْ يُكتَبْ عليْكمْ، إنَّما كُتِبَ عليْكُمُ الصِّيامُ، فدُومُوا على القِيام إذْ فعلتُمُوهُ ولا تَتْرُكُوهُ، فإنَّ ناساً مِنْ بَنِي إسْرائِيلَ ابْتدَعُوها بِدَعاً ولَمْ يَكْتُبْهَا اللَّهُ عليهم ابتغَوْا بِهَا رضْوانَ اللَّهِ فَما رَعَوْهَا حَقَّ رعايتِهَا فَعَاتَبَهُم الله عليها بِترْكِهَا "، فقال :﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا﴾ الآية.

فصل دلّت الآية على العزلة عن الناس وذلك مَنْدُوبٌ إليه عند فساد الزمان، وتغير الأحوال والإخوان.


قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ﴾.
أي : آمنوا بموسى وعيسى ﴿اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ﴾ بمحمد ﷺ ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾، أي : مثلين من الأجْر على إيمانهم بعيسى وبمحمد ﷺ ؛ وهذا نظير قوله تعالى :﴿أُوْلَـائِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ [القصص : ٥٤].
و " الكِفْلُ " : الحظّ والنصيب.
وقد تقدم، وهو في الأصل كساء يكتفلُ به الراكب يحفظه من السقوط.
قاله ابن جرير.
وقال الأزهري : اشتقاقه من الكساء الذي يحويه راكب البعير على سنامه لئلا يسقط، والمعنى : يؤتكم نَصِيبيْنِ يحفظانكم من هلكةِ المعاصي كما يحفظ الكفلُ الراكب.
وقال أبو موسى الأشعري :" كِفْلَيْن " ضِعْفَيْن، بلسان " الحبشة ".
٥٠٧
وقال ابن زيد :" كِفْلين " أجر الدنيا والآخرة.
وقيل : لما نزلت :﴿أُوْلَـائِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ﴾ [القصص : ٥٤] افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي ﷺ فنزلت هذه الآية.
فإن قيل : إنه - تعالى - لما أعطاهم كِفْلَيْنِ، وأعطى المؤمن كفلاً واحداً كان حالهم أعظم.
فالجواب : أنه لا يبعد أن يكون النَّصيب الواحد أزيد قدراً من النصيبين.
روى أبو موسى عن النبي ﷺ أنه قال :" ثَلاثَةٌ يُؤتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : رجُلٌ كانَتْ لَهُ جَاريةٌ فأدَّبهَا وأحْسَنَ أدبهَا، ثُمَّ أعتَقَهَا وتَزوَّجَهَا، ورجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمَنَ بِكِتَابِهِ، وآمَنَ بمُحمَّدٍ ﷺ وعبدٌ أحْسَنَ عبادةَ اللَّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ ".
قوله :﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً﴾.
قال مجاهد : أي : بياناً وهدى.
وقال ابن عباس : هو القرآن.
وقيل : ضياء يمشون به في الآخرة على الصراط، وفي القيامة إلى الجنة، وهو النور المذكور في قوله تعالى ﴿يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ [الحديد : ١٢].
وقيل : تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام، فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رياسة كنتم فيها، وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد ﷺ وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله تعالى، لا الرِّياسة الحقيقية في الدين ثم قال :﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ذُنُوبَكُمْ، أي : ما أسلفتم من المعاصي، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
قوله تعالى :﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾.
٥٠٨


الصفحة التالية
Icon