قوله :﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ﴾ مبتدأ.
وقوله :﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ مبتدأ ثان وخبره مقدم، أي : فعليهم، أو فاعل بفعل مقدر، أي : فيلزمهم تحرير، أو خبر مبتدأ مضمر، أي : فالواجب عليهم تحرير.
فصل ويلزم الظهار قبل النكاح إذا نكح التي ظاهر منها عند مالك، ولا يلزم عند غيره لقوله تعالى :﴿مِن نِّسَآئِهِمْ﴾.
٥٢١
وإذا ظاهر صح ظهاره كما يصح طلاقه.
وقال مالك : لا يلزم ظهاره ؛ لأنه لا يصح تكفيره بالصِّيام، وهذا منقوض بظهار العبد، وهو لا يكفر بالعتقِ والإطعام.
فصل في عدم صحة ظهار المرأة من زوجها لا يصح ظهار المرأة من زوجها، وعليها كفَّارة يمين، إنما الظهار على الرجال ؛ لأن الحل والعقد في النكاح بيدِ الرجال ليس بيد المرأة منه شيء.
وقال الحسن بن زياد : هي مظاهرة.
وقال الزهري : أرى أن تكفر كفَّارة الظهار.
وقال محمد بن الحسن : لا شيء عليها.
فصل في المظاهرة حال الغضب والسكر وإذا ظاهر حال غضبه لزمه حكم الظِّهار، للحديث، ويصح ظهار السكران وطلاقه، وإذا ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفَّارة واحدة، وإن ظاهر منهنّ بكلمات فعليه لكل واحدة كفَّارة ظهر، وإذا قال لأربع نسوة : إن تزوجتكنّ فأنتن عليَّ كظهرِ أمي، فتزوج إحداهن لم يقربها حتى يكفِّر، ثم قد سقط اليمين في سائرهن.
وقيل : لا يَطَأُ البواقي منهن حتى يكفر فإن قال لامرأته : أنت عليَّ كظهرِ أمي، وأنت طالق ألبتة، لزمه الطلاق والظِّهار معاً، ولم يكفر حتى ينكحها بعد زوج ولا يطؤها إذا نكحها حتى يكفر، فإن قال لها : أنت طالق ألبتَّة، وأنت عليّ كظهر أمي لزمه الطَّلاق، ولم يلزمه الظِّهار ؛ لأن المبتُوتةَ لا يلحقها طلاق ولا ظهار، ويصح الظهار المؤقّت كما لو قال : أنت اليوم عليَّ كظهرِ أمي فإنَّه يصحّ ويبطل بمضيّ اليوم.
وقال مالك : يتأبّد.
قوله :" منكم " توبيخ للعرب، وتهجين لعادتهم في الظِّهار ؛ لأنه كان من أيمان الجاهلية خاصة، دون سائر الأمم.
وقوله :﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة : ٢] أي : ما نساؤهم بأمهاتهم، ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة : ٢] أي إلا الوالدات.
وعلى التقادير الثلاثة، فالجملة خبر المبتدأ، ودخلت " الفاء " لما تضمنه المبتدأ من معنى الشرط.
قوله :﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾.
في هذه " اللام " أوجه :
٥٢٢
أحدها : أنها متعلقة بـ " يعودون ".
وفيه معان : أحدها : والذين من عادتهم أنهم كانوا يقولون هذا القول في الجاهلية، ثمَّ يعودون لمثله في الإسلام.
الثاني : ثم يتداركون ما قالوا ؛ لأن المتدارك للأمر عائد إليه، ومنه :" عَادَ غَيْثٌ عَلَى ما أفْسَدَ " أي تداركه بالإصلاح، والمعنى : أن تدارك هذا القول وتلافيه بأن يكفر حتى ترجع حالهما كما كانت قبل الظِّهار.
الثالث : أن يراد بما قالوا ما حرَّموه على أنفسهم بلفظ الظِّهار تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكر في قوله تعالى :﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم : ٨٠]، والمعنى : ثم يريد العود للتَّماسِّ.
قاله الزمخشري.
وهذا الثالث هو معنى ما روي عن مالك، والحسن، والزهري : ثم يعودون للوطءِ، أي : يعودون لما قالوا : إنهم لا يعودون إليه، فإذا ظاهر ثُمَّ وطئ لزمتِ الكفَّارة عند هؤلاء.
الرابع :" لما قالوا "، أي : يقولونه ثانياً، فلو قال : أنت عليَّ كظهرِ أمي مرّة واحدة لم يلزمه كفارة ؛ لأنه لم يَعُدْ لما قال، وهذا منقول عن بكير بن عبد الله الأشجّ، وأبي حنيفة، وأبي العالية، والفراء في آخرين، وهو مذهب أهل الظَّاهر.
قال ابن العربي : وهذا القول باطل قطعاً ؛ لأن قصص المتظاهرين قد رويت، وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم، والمعنى أيضاً بنقضه ؛ لأن الله - تعالى - وصفه بأنه مُنْكَر من القول وزور، فكيف يقال : إذا أعدت القول المحرّم، والسَّبب المحظور وجبت عليك الكفَّارة، وهذا لا يعقل ألا ترى أنَّ كل سبب يوجب الكفَّارة لا يشترط فيه الإعادة من قتلٍ ووطءٍ في صوم ؟.
الخامس : أن المعنى أن يعزم على إمساكها فلا يطلقها بعد الظِّهار حتى يمضي زمن يمكن أن يطلقها فيه، فهذا هو العودُ لما قال، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة أيضاً.
وقال : العود هنا ليس بتكرير القول، بل بمعنى العزم على الوطء.
قال القرطبي : وهذا ينتقض بثلاثة أمور : أحدها : أنه قال :" ثُمَّ " وهي للتراخي.
الثاني : قوله :" ثم يعُودُون " يقتضي وجود فعل من جهته، ومرور الزمان ليس بفعل منه.
٥٢٣