العتق، وليس ذلك بواجب عليه.
ولو ظاهر عن امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما لا بعينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر الكفَّارة الأخرى، ولو عين الكفَّارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفَّارة عن الأخرى.
قال القرطبي :" ولو ظاهر من أربع نسوة، فأعتق عنهن ثلاث رقاب، وصام شهرين لم يجزه العِتْق ولا الصيام ؛ لأنه إنما صام عن كل واحدة خمسة عشر يوماً، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتين مسكين، فإن لم يقدر فرّق بخلاف العتق والصيام ؛ لأن صيام الشهرين لا يفرق والإطعام يفرق ".
[قوله تعالى :﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ الآية كقوله تعالى :﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ في الأوجه الثلاثة المتقدمة، و " مِنْ قَبْل " متعلق بالفعل، أو الاستقرار المتقدم، أي : فيلزمه تحرير، أو صيام أو فعليه كذا من قبل تماسهما، والضمير في " يتماسّا " للمظاهر والمظاهر منها لدلالة ما تقدم].
فصل في الترتيب في كفَّارة الظهار اعلم أن الله - تعالى - أمر بكفَّارة الظهار مرتبة، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الإعتاق، وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد من طعام بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البرّ : والأفضل مُدَّان بمُدِّ النبي ﷺ ولا يجزئ عند مالك، والشافعي - رضي الله عنهما - أن يطعم أقل من ستين مسكيناً.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لو أطعم مسكيناً واحداً كل يوم نصف صاعٍ حتى يكمل العدد أجزأه.
وعن أحمد - رضي الله عنه - إذا لم يجد إلاَّ مسكيناً واحداً ردد عليه بعدد الأيام.
فصل في نسخ الظهار لما كانوا عليه حكم الظِّهار ناسخ لما كانوا عليه من كون الظِّهار طلاقاً في الجاهلية، روي ذلك عن ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما.
قوله :﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ﴾.
٥٢٨
قال الزَّجَّاج :" ذلك " فيه وجهان : الأول : أنه في محل رفع، أي : الغرض ذلك الذي وصفنا من التَّغليظ في الكفَّارة، " لتُؤمِنُوا " أي : لتصدقوا أن الله أمر به.
الثاني : فعلنا ذلك للبيان والتعظيم للأحكام لتصدقوا بالله ورسوله ﷺ والعمل بشرائعه، ولا تستمروا على أحكام الجاهلية من جعل الظهار أقوى أنواع الطَّلاق.
فصل في أن الكفارة إيمان بالله تعالى استدلّ بعض العلماء على أنَّ هذه الكفَّارة إيمان بالله تعالى ؛ لأنه لما ذكرها وأوجبها، قال جل ذكره :﴿لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، أي : ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدّوها، فسمى التكفير إيماناً ؛ لأنه طاعة، ومراعاة للحد، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان.
فصل في معنى الآية معنى قوله تعالى :﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي : لئلا تعودوا للظِّهار الذي هو منكر من القول وزور.
قيل له : قد يجوز أن يكون كلاهما مقصوداً، فيكون المعنى : ذلك لئلا تعودوا، فتقولوا المنكر والزور، بل تدعونهما طاعة لله - سبحانه وتعالى - إذ كان قد حرمهما، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا إذا كان الله منع من مَسِيْسهَا وتكفروا إذا كان الله - عز وجل - أمر بالكفَّارة، وألزم إخراجها منكم، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ﷺ لأنها حدود تحفظونها وطاعات تؤدّونها، والطَّاعة لله ورسوله ﷺ إيمان بالله ورسوله.
فصل في إدخال العمل تحت مسمى الإيمان قال ابن الخطيب : استدل من أدخل العمل في مسمى الإيمان بهذه الآية، فقال : إن الله - تعالى - أمرهم بها ليصيروا بعملها مؤمنين، فدل على أن العمل من الإيمان، ومن أنكر ذلك قال : إنه - تعالى - لم يقل : ذلك لتؤمنوا باللَّهِ بعمل هذه الأشياء، ونحن نقول : المعنى " ذلك لتؤمنوا بالله " والإقرار بهذه الأحكام.
فصل فيمن استدل بهذه الآية على أن أفعال الله معللة بالأغراض استدلت المعتزلة في قوله تعالى " لتؤمنوا " على أن فعل الله معلل بالغرض، وعلى
٥٢٩