وقيل : قالوا : إنه يرد علينا، ويقول : وعليكم السَّام، فلو كان نبيًّا لاستجيب له فينا ومتنا، وهذا موضع تعجب منهم، فإنهم كانوا أهل الكتاب، وكانوا يعلمون أنَّ الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - قد يغضبون، فلا يعاجل من يغضبهم بالعذاب.
قوله :﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي : كافيهم جهنم عقاباً غداً ﴿يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
أي : كفعل المنافقين واليهود.
قال مقاتل : أراد بقوله :" آمنوا " المنافقين آمنوا بلسانهم.
وقال عطاء : يريد الذين آمنوا بزعمهم قال لهم : لا تتناجوا بالإثم والعدوان، ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقيل : يا أيها الذين آمنوا بموسى صلوات الله وسلامه عليه.
قوله :﴿وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ والمراد بالبر : الطاعة، وبالتقوى : العفاف عما نهى الله عنه.
﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [أي] : تجمعون في الآخرة.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٣٢
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
تقدم قراءتنا " ليحزن " بالضم والفتح في " آل عمران " [آل عمران ١٧٦].
وقرئ :" بفتح الياء والزاي " على أنه مسند إلى الموصول بعده، فيكون فاعلاً.
٥٣٩
فصل في تحرير معنى الآية قال ابن الخطيب : الألف واللام في لفظ " النجوى " لا يمكن أن يكون للاستغراق ؛ لأن في " النجوى " ما يكون من الله ولله، بل المراد منه : المعهود السابق، وهو النجوى بالإثم ليحزن المؤمنين إذا رأوهم متناجين.
قال المفسرون : معنى قوله تعالى :﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ وتوهموا أن المسلمين أصيبوا في السَّرايا، أو إذا رأو اجتماعهم على مكايدة المسلمين، وربما كانوا يناجون النبي ﷺ فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي ﷺ ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ﴾ أي : التناجي ﴿شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي : بمشيئته.
وقيل : بعلمه.
وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - بأمره.
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي : يكلون أمرهم إليه، ويفوضون [جميع] شئونهم إلى عونه.
فصل في النهي عن التناجي روى ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال :" إذَا كَانَ ثلاثةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الواحدِ ".
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :" إذَا كَانَ ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى يَخْتلطُوا بالنَّاسِ من أجْلِ أنْ يُحْزِنَهُ ".
فبين في هذا الحديث غاية المنع، وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر، وذلك أنه كان يتحدث مع رجل، فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يُناجِهِ حتى دعا رابعاً، فقال له وللأول : تأخَّرا وناجى الرجل الطَّالب للمناجاة.
خرجه في " الموطأ " ونبه فيه على العلة بقوله :" مِنْ أجْلِ أن يُحْزِنَهُ " أي : يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنهم لم يروه أهلاً بأن يشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان، وأحاديث النفس، ويحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد، ولا عشرة ولا ألف مثلاً، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك فيه.
٥٤٠