آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} سألت النبي ﷺ فقال النبي ﷺ :" مَا ترى دِيْنَاراً ؟ " قلت : لا يطيقونه، قال :" نَصْف دِيْنَارٍ "، قلت : لا يطيقونه، قال :" فَكَمْ " ؟ قلت : شعيرة، قال :" إنَّك لزَهِيدٌ " فنزلت ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ﴾ الآية ".
ومعنى قوله :" شعيرة " من ذهب، ومعنى قوله ﷺ :" إنَّك لزَهِيْدٌ " أي : لقليل المال فقدّرت على حسب حالك.
قال ابن العربي :" وهذا يدلّ على نسخ العبادة قبل فعلها، وعلى النَّظر في المقدّرات بالقياس ".
قال القرطبي :" والظَّاهر أنَّ النسخ إنما وقع بعد فعل الصَّدقة كما تقدم ".
فصل فيمن استدل بالآية على عدم وقوع النسخ أنكر أبو مسلم وقوع النسخ، وقال : إنَّ المنافقين كانوا يمتنعون عن بذل الصدقات، وإن قوماً من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهراً وباطناً إيماناً حقيقيًّا، فأراد الله أن يميزهم عن المنافقين، فأمر بتقديم الصَّدقة على النَّجْوَى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا على من بقي على نفاقه الأصلي، فلما كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت.
قال ابن الخطيب : وحاصل قول أبي مسلم : أن ذلك التكليف مقدر بغاية مخصوصة، ووجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى تلك الغاية المخصوصة، ولا يكون هذا نسخاً، وهذا كلام حسن، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله :﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾.
وقيل : منسوخ بوجوب الزكاة.
قوله تعالى :﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾.
هذا استفهام معناه التقرير.
قال ابن عباس رضي الله عنهما :" أأشفقتم " أي : أبخلتم بالصدقة.
وقيل : خفتم.
و " الإشفاق " : الخوف من المكروه، أي : خفتم بالصدقة، وشقّ عليكم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات.
٥٥٠
قوله تعالى :﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ﴾.
في " إذ " هذه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها على بابها من المعنى : أنكم تركتم ذلك فيما مضى، فتداركوه بإقامة الصَّلاة.
قاله أبو البقاء.
الثاني : أنها بمعنى " إذا " كقوله تعالى :﴿إِذِ الأَغْلاَلُ فِى أَعْنَاقِهِمْ﴾ [غافر : ٧١] وتقدم الكلام فيه.
الثالث : أنها بمعنى " إن " الشرطية، وهو قريب مما قبله ؛ إلا أن الفرق بين " إن "، و " إذا " معروف.
فصل في معنى الآية المعنى : فإن لم تفعلوا ما أمرتم به، ﴿وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي : ونسخ الله ذلك الحكم، ورخص بكم في ألاَّ تفرطوا في الصَّلاة والزكاة، وسائر الطاعات، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به، وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل.
قال القرطبي : وما روي عن علي - رضي الله عنه - ضعيف ؛ لأن الله - تعالى - قال :﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ﴾ وهذا يدلّ على أن أحداً لم يتصدق بشيء.
فصل في أنَّ الآية لا تدل على تقصير المؤمنين فإن قيل : ظاهر الآية يدل على تقصير المؤمنين في ذلك التكليف، وبيانه من وجوه : الأول : قوله تعالى :﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ﴾ يدل على تقصيرهم.
الثاني : قوله تعالى :﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ﴾.
الثالث : قوله عز وجل :﴿وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾.
فالجواب : قال ابن الخطيب : ليس الأمر كما قلتم ؛ لأن القوم لم يكلفوا بأن يقدموا على الصَّدقة، ويشتغلوا بالمناجاة، بل أمروا أنهم لو أرادوا المناجاة، فلا بد من تقديم الصَّدقة فمن ترك المناجاة، فلا يمكن أن يكون مقصراً، فأما لو قيل بأنهم ناجوا من غير تقديم الصدقة، فهذا أيضاً غير جائز ؛ لأن المناجاة لا تمكن إلا إذا مكن الرسول ﷺ من المناجاة فإذا لم يمكنهم من ذلك لم يقدروا على المناجاة، فعلمنا أن الآية لا تدل على صدور التقصير منهم.
٥٥١