وقال سفيان بن عيينة : هي ضرب من النخل، يقال لثمره : اللَّون.
تمره أجود التَّمر، وهو شديد الصُّفرة يرى نواه من خارجه، ويغيب فيه الضِّرْس، النخلة منها أحب إليهم من وصيف.
وقيل : هي الفَسِيْلة ؛ لأنها ألينُ من النخلة.
وأنشد :[الخفيف] ٤٧٤٠ - غَرَسُوا لِينَةً بِمَجْرَى مَعِينٍ
ثُمَّ حَفُّوا النَّخِيلَ بالآجَامِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٦٩
وقيل : اللينة هي الأشجار كلها للينها بالحياة، وأنشد بيت ذي الرمة المتقدم.
وقال الأصمعي : إنها الدَّقَل.
قال : وأهل " المدينة " يقولون : لا تنتفخ الموائد حتى توجد الألوان يعنون الدَّقل.
قال ابن العربي :" والصَّحيح ما قاله الزهري ومالك ".
وفي عين " لينة " قولان : أحدهما : أنها " واو " ؛ لأنها من اللون، وإنما قلبت ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها كـ " ديمة " و " قيمة ".
الثاني : أنها " ياء " ؛ لأنها من اللين.
وجمع اللينة " لين " ؛ لأنه من باب اسم الجنس كـ " تمرة، وتمر ".
وقد كسر على " ليان " وهو شاذّ ؛ لأن تكسير ما يفرق بتاء التأنيث شاذ كـ " رطبة ورطب وأرطاب ".
وأنشد :[المتقارب]
٥٧٠
٤٧٤١ - وسَالِفَةٍ كَسَحُوقِ اللِّيَا
نِ أضْرَمَ فيهَا الغَويُّ الشُّعُرْ
والضمير في قوله " تَرَكْتُمُوهَا " عائد على معنى " ما ".
قوله :" قَائِمَةً ".
قرأ عبد الله والأعمش وزيد بن علي :" قُوَّماً " على وزن " ضُرَّباً " جمع " قائم " مراعاة لمعنى " ما " فإنه جمع.
وقرأ عبد الله، ﴿ما قطعتم من لينةٍ ولا تركتموها على أصولها﴾ أي : لم تقطعوها.
وقرئ :" قَائِماً " مفرداً مذكراً.
وقوله :﴿أُصُولِهَا﴾.
قرئ :" أصْلها " بغير " واو "، وفيه وجهان : أحدهما : أنه جمع " أصل " نحو :" رَهْن ورُهُن ".
والثاني : أن يكون حذف الواو استثقالاً لها، واكتفى بالضمة عن " الواو ".
فصل في نزول الآية روي أن رسول الله ﷺ لما نزل بنو النضير، وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك، وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصَّلاح، أفمن الصلاح قطع الشجر وعَقْر النخل ؟ وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ فوجد المسلمون في أنفسهم وخشوا أن ذلك فساداً، واختلفوا في ذلك.
فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنها مما أفَاءَ اللَّه علينا.
وقال بعضهم : بل نُغيظهم بقطعها، وأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم.
وروي عن عمر - رضي الله عنه - قال : حرَّق رسول الله ﷺ نخل بني النضير وقطع
٥٧١
وهي " البُويرة "، فنزل :﴿مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أخبر في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه " فبإذْنِ الله " أي : بأمره ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾.
و " اللام " في " ليخزي " متعلقة بمحذوف أي : أذن في قطعها ليسرَّ المؤمنين ويعزهم ويخزي الفاسقين.
فصل في هدم حصون الكفار احتجُّوا بهذه الآية على أنَّ حصون الكفرة وديارهُم يجوز هدمُهَا وتحريقُهَا وتغريقها وأن ترمى بالمجانيق وكذلك أشجارهم.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنهم قطعوا منها ما كان موضعاً للقتال.
وروي أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة والآخر اللون، فسألهما رسول الله ﷺ فقال هذا : تركتها لرسول الله ﷺ، وقال الآخر : قطعتها غيظاً على الكُفَّار.
واستدلوا به على جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المارودي رحمه الله : في هذه الآية دليل على أن كل مجتهد مصيب.
وقال إلكيا الطبري : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي ﷺ بين أظهرهم، ولا شكَّ أن رسول الله ﷺ رأى ذلك وسكت، فتلقوا الحكم من تقريره فقط.
قال ابن العربي : وهذا باطل لأن رسول الله ﷺ كان معهم، ولا اجتهاد مع حضور النبي ﷺ وإنما يدل على اجتهاد النبي ﷺ فيما لم ينزل عليه أخذاً بعموم الأذية للكفار، ودخولاً في الإذْنِ للكل فيما يقضي عليهم بالبوارِ، وذلك قوله - عز وجل - :﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾.
قوله تعالى :﴿وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ الآية.
قال المبرد :" يقال : أفاء يفيء، إذا رجع، وأفاء الله، إذا رده ".
وقال الأزهري :" الفَيْء : ما رده الله على أهل دينه من أموالٍ بلا قتالٍ إما بأن
٥٧٢


الصفحة التالية
Icon