منها إلا ثلاثة نفرٍ كانت بهم حاجة : أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحرث بن الصمة.
قال بعض العلماء : لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم منها حظ كالغنائم، فبين الله - تعالى - أنها فيءٌ، وكان قد جرى بعض القتال ؛ لأنهم حوصروا أياماً، وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء، ولم يكن قتالٌ على التحقيق، بل جرى مبادئ القتال، وجرى الحصار، فخص الله - تعالى - تلك الأموال برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد رضي الله عنه : علمهم الله - تعالى - وذكرهم أنه إنما نصر رسوله ﷺ ونصرهم بغير كراع ولا عدة.
﴿ولكن الله يسلط رسله على من يشاء من عباده﴾ من أعدائه.
وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله ﷺ دون أصحابه - رضي الله عنهم -.
قوله تعالى :﴿وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ﴾.
قال الزمخشري :" لم يدخل العاطف على هذه الجملة ؛ لأنها بيان للأولى، فهي منها غير أجنبية عنها ".
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي " قريظة " و " النضير "، وهما بـ " المدينة " و " فدك " وهي على ثلاثة أميال من " المدينة " و " خيبر "، وقرى " عرينة " و " ينبع " جعلها الله - تعالى - لرسوله ﷺ وبين أن في ذلك المال الذي خصه الله - تعالى - لرسوله ﷺ سُهماناً لغير الرسول ﷺ تطييباً منه لعباده.

فصل في المراد بذي القربى قال ابن الخطيب : أجمعوا على أن المراد بذي القربى بنو هاشم، وبنو المطلب.


وقال القرطبي : وقد تكلم العلماء في هذه الآية والتي قبلها على معناهما هل معناهما واحد أو مختلف، والآية التي في الأنفال ؟.
فقال بعضهم : إن قوله تعالى :﴿مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ منسوخ بآية " الأنفال " من كون الخمس لمن سمي له، والأخماس الأربعة لمن قاتل، وكان في أول الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف، ولا يكون لمن قاتل عليها شيء، وهذا قول
٥٧٥
يزيد بن رومان، وقتادة وغيرهما، ونحوه عن مالك رضي الله عنه.
وقال بعضهم : ما غنمتم بصُلْح من غير إيجاف خيل، ولا ركاب، فيكون لمن سمى الله تعالى فيه فيئاً، الأول للنبي ﷺ خاصة إذا أخذ منه حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين.
وقال معمر رضي الله عنه : الأولى : للنبي صلى الله عليه وسلم.
والثانية : هي الجزية والخراج للأصناف المذكورة فيه.
والثالثة : الغنيمة في سورة " الأنفال " للغانمين.
وقال الشافعي رضي الله عنه وبعض العلماء : إنَّ معنى الآيتين واحد، أي : ما حصل من أموال الكفار بغير قتال قسم على خمسة أسهمٍ، أربعة منها لرسول الله ﷺ ويقسم الخمس الباقي على خمسة أسهم ؛ سهم لرسول الله ﷺ أيضاً، وسهم لذوي القُرْبى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب ؛ لأنهم منعوا الصدقة، فجعل لهم حق في الفيء.
وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.
وأما بعد وفاة الرسول ﷺ فالذي كان من الفيء لرسول الله ﷺ يصرف عند الشافعي - رضي الله عنه - في قول إلى المجاهدين المترصّدين للقتال في الثُّغُور ؛ لأنهم القائمون مقام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي قول آخر : يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثُّغور، وحفر الأنهار، وبناء القناطر، يقدم الأهم فالأهم، وهذا في أربعة أخماس الفيء.
فأما السهم الذي كان له من خمس الفيء والغنيمة فهي لمصالح المسلمين بعد موته ﷺ بلا خوف، كما قال ﷺ :" لَيْسَ لي مِنْ غَنائِمكُمْ إلاَّ الخمسُ، والخمسُ مردودٌ فِيْكُم ".
وكذلك ما خلفه من المال غير موروث، بل هو صدقة عنه يصرف في مصالح المسلمين، لقوله ﷺ :" إنَّا لا نُورثُ ما تركناهُ صدقة ".
وقيل : كان مال الفيء لنبيه ﷺ لقوله تعالى :﴿وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ فأضافه إليه، غير أنه كان لا يتأثّل مالاً، إنما كان يأخذ بقدر حاجة عياله، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
قال ابن العربي رحمه الله : لا إشكال أنها ثلاث معانٍ في ثلاث آيات : فالآية الأولى وهي قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ [الحشر : ٢]، ثم قال تعالى :﴿وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ يعني : من أهل الكتاب معطوفاً عليهم ﴿فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ﴾ يريد - كما بينا - فلا حق لكم فيه، ولذلك قال
٥٧٦


الصفحة التالية
Icon