جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤
وقال النَّابغة :[الطويل] ٨٨٠ - فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِماً
أَبُوا حُجُرٍ إِلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ
ودخلت " إِذْ "، وهي ظرفُ زمانٍ ماضٍ في أثناء هذه المستقبلات تقريباً للأمر،
١٤١
وتصحيحاً لوقوعه ؛ كما وقعت صيغة المُضِيِّ موضع المستقبلِ لذلك ؛ كقوله :﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف : ٥٠].
وكما قال الأشتر :[الكامل] ٨٨١ - بَقَّيْتُ وَفْرِي وَانْحَرَفْتُ عَنْ العُلاَ
وَلَقيْتُ أَضْيَافِي بِوَجْهِ عَبوسِ
إِنْ لَمْ أَشُنَّ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ غَارَةً
لَمْ تَخْلُ يَوْماً مِنْ نِهَابِ نُفُوسِ
فأوقع " بَقَّيْتُ " و " انْحَرَفْتُ " - وهما بصيغة المضيِّ - موقع المستقبل، لتعليقهما على مستقبلٍ، وهو قوله : إنْ لم أشنَّ ".
وجاء في التنزيل كثيرُ مِنْ هذا الباب قال تبارك وتعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام : ٢٧] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُواْ﴾ [سبأ : ٥١] ولما كان وقوعُ السَّاعةَ قريباً، أجْرَاه مجرَى ما حَصَل ووضع، مِنْ ذلك قولُ المُؤَذِّن : قَدْ قَامَتِ الصَّلاَة، يقوله قبل إيقَاعِ التَّحْريم بالصَّلاَة ؛ لقرب ذلك.
وقيل : أَوْقَعَ " إِذْ " موقع " إِذَا " ؛ [وقيل : زمن الآخر متصلٌ بزمن الدنيا، فقام أحدهما مقام الآخر ؛ لأنَّ المجاور للشَّيء يقوم مَقَامه، وهكذا كُلُّ موضع وقع مثْلَ هذا، وهو في القرآن كثير].
وقرأ ابن عامر " يَرَوْنَ الْعَذَابَ " مبنيّاً للمفعول من " أَرَيْتُ " المنقولة مِنْ " رَأَيْتُ " بمعنى " أبْصَرْتُ " فتعدَّى لاثنين : أولهما : قام مقام الفاعِلِ، وهو الواو.
والثاني : هو العذاب.
وقراءُ الباقين واضحة.
وقال الراغب : قوله : أَنْ القُوَّةَ " بدلٌ من " الَّذِينَ " قال :" وهو ضعيفٌ ".
قال أبو حيَّان رحمه الله - ويَصيرُ المَعْنَى :" ولو تَرَى قُوَّة اللَّهِ وقُدْرَتَهُ على الَّذين ظَلَمُوا " وقال في المُنْتَخَب : قراءة الياء عند بعضهم أَوْلى من قراءة التَّاء ؛ قال :" لأَنَّ النبيَّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - والمؤمِنِينَ قَدْ علِمُوا قدْرَ ما يُشَاهِدُه الكُفَّار، وأما الكُفَّار، فلم يعلَمُوه ؛ فوجَبَ إسْنادُ الفِعل إِلَيْهِم " وهذا أمر مردودٌ ؛ فإن القراءتَيْن متواترتَانِ.
قوله تعالى :" جميعاً " حالٌ من الضَّمير المستكنِّ في الجارِّ والمجرور، والواقعِ
١٤٢
خَبَراً، لأنَّ تقديره :" أّنَّ القُوَّة كائنةٌ لله جميعاً "، ولا جائزٌ أنْ يكونَ حالاً منَ القُوَّة ؛ فإن العامل في الحال، هو العامل في صاحبها، وأَنَّ لا تعمَلُ في الحال، وهذا مشكل ؛ فإنهم أجازوا في " ليت " أن تعمل في الحال، وكذا " كأنَّ " ؛ لِمَا فيها من معنى الفعل - وهو التمنِّي والتَّشْبيهُ - فكان ينبغي أن يجوز ذلك في " أَنَّ " لما فيها مَعْنَى التَأْكِيد.
و " جَمِيعُ " في الأصل :" فَعِيلٌ " من الجمع، وكأنه اسم جمع ؛ فلذلك يتبع تارةً بالمُفرد ؛ قال تعالى :﴿نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ [القمر : ٤٤] وتارة بالجَمع ؛ قال تعالى :﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس : ٣٢] وينتصب حالاً، ويؤكَّد به ؛ بمعنى :" كُلّ " ويدلُّ على الشمول ؛ كدلالة " كُلِّ "، ولا دلالة له على الاجتماع في الزَّمان، تقول :" جاءَ القَوْمُ جَمِيعُهُمْ " لا يلزمُ أنْ يكُونَ مجئيهم في زمن واحدٍ، وقد تقدَّم ذلك في الفَرْق بينهما وبين " جاءُوا معاً ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٤