القِيَامةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ فإنَّ الشُّحَّ أهْلكَ مَن كَانَ قَبْلَكُم حَملهُمْ على أن سفَكُوا دِمَاءهُمْ واسْتَحَلُّوا مَحَارمَهُمْ ".
وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :" لا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سَبيلِ اللَّهِ ودُخَانُ جَهَنَّم في جَوْفِ عَبْدٍ أبَداً، ولا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ والإيمَانُ في قَلْبِ عَبْدٍ أبَداً ".
وقال كسرى لأصحابه : أي شيء أضرُّ بابن آدم ؟ قالوا : الفقرُ، فقال : الشح أضر من الفقر، لأن الفقير إذا وجد شبع، والشحيح إذا وجد لم يشبعْ أبداً.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٨٢
قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا﴾.
يحتمل الوجهين المتقدمين في " الذين " قبله، فإن كان معطوفاً على " المهاجرين "، فـ " يقولون " حال لـ " يحبون " أي : قائلين أو مستأنف، وإن كان مبتدأ فـ " يقولون " خبره.

فصل هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين ؛ لأنهم إما المهاجرون أو الأنصار.


﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾.
قال بعض المفسرين : هذا عطف على " المُهَاجرينَ " وهم الذين هاجروا من بعد.
٥٩٥
وقيل : التابعون لهم بإحسان، ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة.
قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : الأولى منازل المهاجرين، والثانية هي : الذين تبوءا الدار والإيمان، والثالثة : والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد ألاَّ تخرج من هذه المنازل.
وقال بعضهم : كن مهاجراً، فإن قلت : لا أجد، فكن أنصارياً، فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم، فإن لم تستطع فأحبَّهم، واستغفر لهم كما أمرك الله.
وقال مصعب بن سعد : الناس على ثلاثة منازل، فمضت منزلتان، وبقيت منزلة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدِّه، أنه جاءه رجل فقال : يا ابن بنت رسول الله ما تقول في عثمان ؟ فقال له : يا ابن أخي أنت من قوم قال الله فيهم ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ ؟ [الحشر : ٨] الآية، قال : لا، قال : فأنت من قوم قال الله فيهم :﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ﴾ ؟ [الحشر : ٩] الآية، قال : لا، قال : فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام، وهي قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ [الحشر : ١٠].
وروي أن نفراً من أهل " العراق " جاءوا إلى محمد بن علي بن الحسين فسبُّوا أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فأكثروا، فقال لهم : أمن المهاجرين الأولين أنتم ؟ قالوا : لا، قال : أفمن الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟، قالوا : لا، قال : فقد تبرأتم من هذين الفريقين، أنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم :﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾، قوموا قد فعل الله بكم وفعل.
ذكره النحاس.
فصل في وجوب محبة الصحابة هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة - رضي الله عنهم - لأنه جعل لمن بعدهم حظًّا في الفيء ما أقاموا على محبتهم وموالاتهم، والاستغفار لهم، ومن أبغضهم أو واحداً منهم، أو اعتقد فيه شرًّا أنه لا حقَّ له في الفيء.
قال مالك : من كان يبغضُ أحداً من أصحاب محمد ﷺ وكان في قلبه لهم غلّ فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ :﴿وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾.
٥٩٦


الصفحة التالية
Icon