قال ابن عباس : يعني به بني قينقاع أمكن الله منهم قبل بني النضير.
وقال قتادة : يعني بني النضير أمكن الله منهم قبل قريظة، وكان بينهما سنتان.
وقال مجاهد رضي الله عنه : يعني كفَّار قريش يوم بدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير قاله مجاهد.
وكانت غزوة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، فلذلك قال :" قَرِيباً ".
وقيل : هو عامٌّ في كل من انتقم منه على كفره قبل بني النضير من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
" وَبَالَ أمرهم " أي : جزاء كفرهم.
ومن قال : هم بنو قريظة جعل " وبَالَ أمْرِهِمْ " نزولهم على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي [الذرية].
وهو قول الضحاك.
ومن قال : المراد بنو النضير، قال :" وبَالَ أمْرِهِمْ " الجلاء والنفي، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.
قوله تعالى :﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ﴾.
هذا مثل ضربه الله للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الرجاء في نصرتهم، وحذف حرف العطف ولم يقل : وكمثل الشيطان، لأن حذف حرف العطف كثير، كقولك : أنت عاقل، أنت كريم، أنت عالم.
وقوله :﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ﴾ كالبيان لقوله ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾.
فصل روي عن النبي ﷺ : أن الإنسان الذي قال له الشيطان : اكفر ؛ راهب، نزلت عنده امرأة أصابها لممٌ ليدعو لها فزيّن له الشيطان فوطئها فحملت، ثم قتلها خوفاً أن يفتضح، فدلّ الشيطان قومها على موضعها، فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه، فجاء الشيطان فوعده إن سجد له أنجاه من هذه الورطة منهم فسجد فتبرّأ منه فأسلمه، ذكره القاضي إسماعيل، وعلي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عروة بن عامر، عن عبيد بن رفاعة الزرقي، عن النبي ﷺ وذكر خبره طويلاً.
وذكر ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أنه كان راهب في
٦٠٤
الفترة يقال له : برصيصا، قد تعبد في صومعته سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين حتى أعيا إبليس، وذكر خبر برصيصا بتمامه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فضرب الله ذلك مثلاً للمنافقين مع اليهود، وذلك أن الله - تعالى - أمر نبيه أن يُجلِيَ بني النضير من " المدينة "، فدس إليهم المنافقون ألاَّ تخرجوا من دياركم، فإن قاتلوكم قاتلنا معكم، وإن أخرجوكم كنا معكم، فحاربوا النبي ﷺ فخذلهم المنافقون وتبرءوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا العابد.
وقيل : المعنى مثل المنافقين في غدرهم لبني النضير كمثل إبليس إذ قال لكفار قريش :﴿لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ﴾ [الأنفال : ٤٨] الآية.
وقال مجاهد : المراد بالإنسان ها هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم.
ومعنى قوله تعالى :﴿إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ﴾.
أي : أغواه حتى قال : إنِّي كافر، وليس قول الشيطان :﴿إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ حقيقة، إنما هو على وجه التبرُّؤ من الإنسان، فهو تأكيد لقوله تعالى :﴿إِنِّي بَرِى ءٌ مِّنكَ﴾.
وفتح الياء من " إني " نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأسكن الباقون.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٥٩٥
قوله تعالى :﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ﴾.
العامة على نصب " عَاقِبتَهُمَا " والاسم " أن " وما في حيزها، لأن الاسم أعرف من ﴿عاقبتهما أنهما في النار﴾.
وقد تقدم تحرير هذا في " آل عمران " و " الأنعام ".
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن أرقم : برفعها، على جعلها اسماً، و " أن " وما في حيزها خبر كقراءة :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الأنعام : ٢٣].
قوله :﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾.
العامة على نصبه، حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً.
والتثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الراهب والشيطان، ومن جعلها في الجنس فالمعنى فكان عاقبة الفريقين أو الصنفين.
قال مقاتل : يعني المنافقين واليهود.
ونصب " عَاقِبتَهُمَا " على أنه خبر " كان " والاسم ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّارِ﴾.
وقرأ عبد الله، وزيد بن علي، والأعمش، وابن أبي عبلة : برفعه خبراً، والظرف ملغى، فيتعلق بالخبر، وعلى هذا فيكون تأكيداً لفظيًّا للحرف، وأعيد معه ضمير ما دخل عليه كقوله :﴿فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود : ١٠٨].
وهذا على مذهب سيبويه، فإنه يجيز إلغاء الظرف وإن أكد.
والكوفيون يمنعونه، وهذا حجة عليهم، وقد يجيبون بأنا لا نسلم أن الظرف في هذه القراءة ملغى بل نجعله خبراً لـ " أن " و " خالدان " خبر ثان، وهو محتمل لما قالوا إلا أن الظاهر خلافه.
قال القرطبي : وهذه القراءة خلاف المرسوم.
وقوله :﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ﴾ أي : المشركين، كقوله :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان : ١٣].
٦٠٦


الصفحة التالية
Icon