سورة الممتحنة
مدنية، وتسمى"الممتحنة" - بكسر الحاء - أي : المختبرة، وأضيف الفعل أليها مجازا، كما سميت سورة "براءة" المبعثرة والفاضحة والكاشفة لما كشفت من عيوب النافقين.
ومن قال "بفتح الحاء" فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت غقبة بن أبي معيط، قال تعالى :﴿فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن﴾ [الممتحنة : ١٠].
وهي ثلاث عشرة آية، وثلاث مائة وثمان وأربعون كلمة، وألف وخمسمائة وعشرة أحرف.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٦١٦
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ الآية.
وجه تعلق أول هذه السورة بآخر ما قبلها، هو أن آخر تلك السورة تشتمل على الصفات الجميلة [اللائقة بحضرة الله - تعالى - من الوحدانية وغيرها]، وأول هذه السورة يشتمل على حرمة الاختلاط مع من لم يعترف بتلك الصفات.
قوله :﴿عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾.
هذان مفعولا الاتخاذ.
و " العَدو " لما كان بزنةِ المصادر وقع على الواحد فما فوق.
وأضاف العدو لنسه تغليظاً في جرمهم.
روى مسلم عن علي - رضي الله عنه - قال :" بعثنا رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد، فقال :" ائْتُوا روضة " خَاخِ " فإنَّ بِهَا ظعينةً معها كتابٌ فخذُوهُ مِنْهَا " فانطلقنا تُعادي بنا خيلنَا، فذا نحن بالمرأة، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ولدت إبراهيم بن عبد الرحمن، فقلنا : أخرجي الكتاب، فقالت : ما معي كتاب، فقلنا : لتُخرجنَّ الكتاب او لنقلينَّ الثياب فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه : من حاطب بن أيب بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل " مكة " يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ : يا حاطب ما هذا ؟ فقال : لا تَعْجَلْ عليَّ يا رسول الله، إني كنت أمرأً ملصاً في قريش - قال سفيان : يقول : كنت حليفاً - ولم أكن من أنفسها، وكان ممن معك من المهاجرين من له يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، فقال رسول الله ﷺ :" إمَا إنَّهُ قَدْ صَدقَكُمْ "، فقال عمر يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال : إنَّهُ شهد بَدْراً، ومَا يُدْريك لعلَّ الله اطلع على مَنْ شَهِدَ بَدْراً، فقال : اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "، فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ إلى قوله :﴿سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾.
قيل : اسم المرأة سارة من موالي قريش، وكان في الكتاب :" أما بعد، فإن رسول الله صلى الله علهي وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده فأظفره الله بكم، وانجز له وعده فيكم، فإن الله وليه وناصره ".
وقيل :" إن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام بن عبد مناف أتت [المدينة من مكة ورسول الله] يتجهز لفتح مكة.
قيل : كان هذا زمن الحديبية، فقال لها رسول
الله ﷺ أمهاجرةً جئت يا سارة ؟ قالت : لا، قال : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا، قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأهل والموالي، والأصل والعشيرة، وقد ذهبت الموالي - تعني قُتِلُوا يوم بدر - وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني، فقال عليه الصلاة والسلام : فأيْنَ أنت عَن شَبابِ أهْلِ مكَّة ؟ - وكانت مغنيةً نائحةً قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدرٍ، فحث رسول الله ﷺ بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وحملوها وأعطوها، فخرجت إلى مكة، وأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى، وقال : أعطيك عشرة دنانير، وبُرداً على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل " مكَّة "، وكتب في الكتاب : إن رسول الله ﷺ يريدكم، فخذوا حذركم، فخرجت سارة، ونزل جبريل عليه السلام فاخبر النبي ﷺ بذلك، فبعث عليّاً والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي، وفي رواية : عليّاً وعمار بن ياسر، وفي رواية : عليّاً وعماراً وعمراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد، وكانواكلهم فرساناً، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا رضوة " خاخ "، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلُّوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقهان فأدركوها في ذلك المكان، فقالوا : أين الكتاب ؟ فحلفت باللَّه ما معها كتاب، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع، فقال علي : والل ما كذبنا ولا كذَّبنا وسلَّ سيفه، وقال أخرجي الكتاب وإلا والله لأجرّدنّكِ ولأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها - وفي رواية في حُجزتِهَا - فخلُّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله ﷺ فأرسل إلى حاطب، فقال : هل تعرف هذا الكتاب ؟ قال : نعم، وذكر الحديث " فصل في النهي عن موالاة الكفار هذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكُفَّار، وقد تقدم نظيره، كقوله :﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ﴾ [آل عمران : ٢٨].
وقوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ﴾ [آل عمران : ١١٨] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ﴾ [المائدة : ٥١].
روي أن حاطباً لما سمع ﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ غشي من الفرح بخطاب الإيمان.
قوله :" تُلقُون ".
فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه تفسير لموالاتهم إياها.
الثاني : أنه استئناف إخبار بذلك، فلا يكون للجملة على هذين الوجهين محلّ من الإعراب.