قوله :﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ﴾.
لما اعتذر حاطب بأن له أرحاماً وأولاداً فيما بينهم بيَّن الله - تعالى - أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئاً يوم القيامة إن عصى من أجل ذلك.
﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النار ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
قوله :﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يجوز فيه وجهان.
أحدهما : أن يتعلق بما قبله، أي : لن ينفعكم يوم القيامة، فيوقف عليه، ويبتدأ ﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾.
والثاني : أن يتعلق بما بعده، أي : يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على " أولادكم " ويبتدأ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
والقراء في ﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ على أربع مراتب.
الأولى : لابن عامر : بضم الياء وفتح الفاء والصاد مثقلة.
١٣
الثانية : مثقلة إلا أنه بكسر الصاد للأخوين.
الثالث : بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة لعاصم.
الرابعة : بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاد مخففة للباقين، وهم نافع وابن كثير، وأبو عمرو، وهذا في السبعة.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة : بضم الياء وكسر الصاد مخففة وسكون الفاء مخففة من " أفْصَلَ ".
وأبو حيوة أيضاً :" نُفْصِلُ " بضم النون، من " أفصل ".
والنخعي وطلحة :" نُفَصِّلُ " بضم النون وفتح الفاء وكسر الصَّاد مشددة.
وقرأ أيضاً وزيد بن علي :" نَفْصِلُ " بفتح النون وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة فهذه أربع، فصارت ثماني قراءات.
فمن بناه للمفعول، فالقائم مقام الفاعل إما ضمير المصدر، أي : يفصل الفصل، أو الظرف، وبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، كقوله :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤] في أحد الأوجه، أو الظرف وهو باقٍ على نصبه كقولك : جُلِسَ عندك.
ثم قال :﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، وفيه سؤال وهو أنه لِمَ لَمْ يَقُلْ : خبير مع أنه أبلغ في العلم بالشيء ؟ والجواب : أنَّ الخبير أبلغ في العلم، والبصير أشهر منه فيهن فإنه يجعله كالمحسُوس بحس البصر.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٣
قوله تعالى :﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية.
١٤
لما نهى عن مُوالاةِ الكُفَّار ذكر قصة إبراهيم، وأن من سيرته التَّبرؤ من الكُفَّار، أي : فاقتدوا به إلاَّ في الاستغفار لأبيه.
والأسْوَةُ والإسوةُ ما يتأسّى به مثل القُدوة والقِدوة، ويقال : هو أسوتك أي مثلك وأنت مثله وتقدم قراءة " أسوة " في سورة " الأحزاب " والكلام على مادتها.
قوله :﴿فِى إِبْرَاهِيمَ﴾.
في أوجه : أحدها : أنه متعلق بـ " أسوة "، تقول : لي أسوة في فلان، ومنع أبو البقاء أن يتعلق بها لأنها قد وصفت.
وهذا لا يبالى به لأنه يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره.
الثاني : أنه متعلق بـ " حسنة " تعلق الظرف بالعامل.
الثالث : أنه نعتٌ ثانٍ لـ " أسوة ".
الرابع : أنه حال من الضمير المستتر في " حسنة ".
الخامس : أن يكون خبر " كَانَ " و " لَكُمْ " تبيين.
قوله :﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين.
وقال ابن زيدٍ : هم الأنبياء.
قوله :﴿إِذْ قَالُواْ﴾.
فيه وجهان : أحدهما : أنه خبر " كان ".
والثاني : أنه متعلق بخبره.
قالهما أبو البقاء.
ومن جوز في " كان " أن تعمل في الظرف علقه بها، والمراد بقومهم : الكفار.
قوله :﴿إِنَّا بُرَءآؤ﴾.
هذه قراءة العامة - بضم الباء وفتح الراء وألف بين همزتين - جمع " بريء "، نحو " كرماء " في نحو " كريم ".
وعيسى أيضاً وأبو جعفر بضم الباء وهمزة بعد ألف.
وفيه أوجه :
١٥