أمر الله - تعالى - إذا أمسكت المرأة المسلمة أن يردّ على زوجها ما أنفق، وذلك من الوفاء بالعهدِ ؛ لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام أمر برد المال حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين : الزوجة والمال.
فصل في استحقاق الغرم بالمنع ولا غرم إلا إذا طالب الزوج الكافر، فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا، فإن كانت ماتت قبل حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع، وإن كان المسمى خمراً وخنزيراً لم نغرم شيئاً ؛ لانه لا قيمة له.
وللشافعي في هذه الآية قولان : أحدهما : أن هذا منسوخ.
قال الشافعي : وإذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهُدْنة مسلمة مهاجرة من الحرق إلى الإمام في دار الإسلام أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عورض، وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالة، ففيه [قولان] : أحدهما : أن يعطى [زوجها] العوض لهذه الآية.
والثاني : لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت امرأته مسلمة العوضَ، فإن شرط الإما ردّ النساء كان الشرط باطلاً منسوخاً، وليس عليه عوض، لأنه لا عوض للباطل.
فصل أمر الله تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الأزواج، وأن المخاطب بهذا الإمام، ينفذ من بيت المالِ الذي لا يتعين له مصرف.
وقال مقاتل : يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين، وليس لزوجها الكافر شيء.
وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما هو في سناء أهل العهد فأما [من] لا عهد بينه وبين المسلمين، فلا يُرَدُّ عليهم الصداق.
قال القطربي : والأمر كما قال ".
قوله :﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾.
أي : في أن تنكحوهن.
٢٦
وقوله :﴿إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ﴾.
يدوز أن يكون ظرفاً محضاً، وأن يكون شرطاً، جوابه مقدَّر، أي : فلا جناح عليكم.
فصل ومعنى الآية : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن أي : مهورهن، فأباح الله نكاحهن للمسلمين ؛ وإن كان لهن أزواج في دار الكفر ؛ لأن الإسلام وفرق بينهن وبين أزواجهن الكُفَّار.
قال القرطبي : أباح نكاحهنَّ إذا أسلمن، وانقضت عدتهن لما ثبت في تحريم نكاح المشركة المعتدة، فإن أسلمت قبل الدخول ثبت النكاح في الحال.
قوله :﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾.
قرأ أبو عمرو في آخرين بضم التاء وفتح الميم وتشديد السين، وباقي السبعة - بتخفيفها - من " مسَك، وأمسك " بمعنى واحد.
يقال : أمسكت الحبل إمساكاً، ومسَّكته تمسيكاً، وفي التشديد مبالغة، والمخفف صالح لها أيضاً.
وقرأ الحسن، وابن أبي ليلى، وأبو عمرو، وابن عامر في رواية عنهما :" تَمَسَّكُوا " - بالفتح في الجميع وتشديد السين - والأصل :" تَتمسَّكُوا " - بتاءين - فحذفت إحداهما.
وعن الحسن أيضاً :" تَمْسِكُوا " مضارع " مَسَك " ثلاثياً.
والعِصَم : جمع عِصْمَة، والعِصْمَة هاهنا : النِّكاح، يقول : من كانت له كافرة بمكة فلا يعقد بها فقد انقطعت عصمتها.
و " الكوافر " جمع " كافرة "، كـ " ضوارب " في " ضاربة " و " صواحب ".
ويحكى عن الكرخي الفقيه المعتزلي أنه قال :" الكوافر " يشمل الرجال والنساء.
قال الفارسي : فقلت له : النحويون لا يرون هذا إلاَّ في النساء جمع كافرة.
٢٧


الصفحة التالية
Icon