ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقاً لرجل من المسلمين، ولا لحدث أحدثته، وما خرجت إلى رغبة في الإسلام، وحب الله ورسوله، فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك أعطى النبي ﷺ زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردها، فذلك قوله تعالى :﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾.
وروي عن ابن عباس أيضاً : أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إلا إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وروى معمر عن الزهري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما كان رسول الله ﷺ يمتحنهن إلا بالآية التي قال الله تعالى :﴿إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً﴾.
خرجه الترمذي.
وقال حديث حسن صحيح.
فصل قال أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشاً من أنه يرد عليهم من جاءه منهم مسلماً، فنسخ من ذلك النساء.
وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن.
فصل قال القرطبي : ولا يجوز أن يهادن الإمام العدو على أن يرد عليهم من جاءه مسلماً ؛ لأن إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز، وهذا مذهب الكوفيين، وأجاز مالك عقد الصلح على ذلك.
واحتج الكوفيون " بأنَّ رسول الله ﷺ بعث خالد بن الوليد إلى قوم خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم، فوداهم رسول الله ﷺ [نصف الدية] وقال :" أنَا بَريءٌ مِن كُلِّ مسلمٍ
٢٤
أقَامَ مع مُشركٍ بدارِ الحَرْبِ لا تَرَءَى نَاراهُما " قالوا : فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين، إذ كان رسول الله ﷺ قد برىء ممن أقام معهم في دار الحرب.
ومذهب مالك والشافعيِّ أن هذا الحكم غير منسوخ.
قال الشافعي : وليس أحد هذا العقد إلا الخليفة أو [رجل] يأمره، فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود.
قوله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾.
هذه الجملة فائدتها بيان أنه لا سبيل لكم إلى ماتطمئن به النفس ويثلج الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن، فإن ذلك مما استأثر الله به.
قاله الزمخشري.
أي : هذا الامتحان لكم، والله اعلم بإيمانهن، لأنه متولي السرائر، وسمَّى الظن الغالب في قوله :﴿عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ علماً لما بينهما من القرب كما يقع الظَّن موقعه، وتقدم ذلك في البقرة.
قوله :﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾.
أي : بما يظهرن من الإيمان.
وقيل : أي : علمتموهن مؤمنات قبل الامتحان ﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ وقوله :﴿وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ تأكيد للأول لتلازمهما.
وقيل : أراد استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل كما هو في الحال ما داموا مشركين وهن مؤمنات.
فصل في معنى الآية معنى الآية : لم يحل الله مؤمنة لكافر، وهذا أول دليل على أنَّ الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها الكافر إسلامها لا هجرتها.
وقال أبو حنيفة : الذي فرق بينهما هو اختلاف الدَّارين.
والصحيح الأول ؛ لأن الله - تعالى - بين العلّة، وهو عدم الحل بالإسلام لا باختلاف الدار.
قوله :﴿وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ﴾.
٢٥
أمر الله - تعالى - إذا أمسكت المرأة المسلمة أن يردّ على زوجها ما أنفق، وذلك من الوفاء بالعهدِ ؛ لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام أمر برد المال حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين : الزوجة والمال.
فصل في استحقاق الغرم بالمنع ولا غرم إلا إذا طالب الزوج الكافر، فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا، فإن كانت ماتت قبل حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع، وإن كان المسمى خمراً وخنزيراً لم نغرم شيئاً ؛ لانه لا قيمة له.
وللشافعي في هذه الآية قولان : أحدهما : أن هذا منسوخ.
قال الشافعي : وإذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهُدْنة مسلمة مهاجرة من الحرق إلى الإمام في دار الإسلام أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عورض، وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالة، ففيه [قولان] : أحدهما : أن يعطى [زوجها] العوض لهذه الآية.
والثاني : لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت امرأته مسلمة العوضَ، فإن شرط الإما ردّ النساء كان الشرط باطلاً منسوخاً، وليس عليه عوض، لأنه لا عوض للباطل.
فصل أمر الله تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الأزواج، وأن المخاطب بهذا الإمام، ينفذ من بيت المالِ الذي لا يتعين له مصرف.
وقال مقاتل : يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين، وليس لزوجها الكافر شيء.
وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما هو في سناء أهل العهد فأما [من] لا عهد بينه وبين المسلمين، فلا يُرَدُّ عليهم الصداق.
قال القطربي : والأمر كما قال ".
قوله :﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾.
أي : في أن تنكحوهن.
٢٦